
![]() |
قصة قصيرة فحيح |
![]() ![]() ![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
النـص : عبدالرزاق السويراوي المصباح الوحيد ،بالكاد يطرد الظلمة في فضاء غرفته التي خلتْ تقريباً من أيّ أثاث،بإستثناء منضدة خشبية متواضعة مركونة الى جانب سريره ، حيث يتمدّد الآن تحت غطاء لم يكن مرتّباً بما يكفي مع وجود إناءٍ زجاجي ممتليء بالماء حدّ النصف ، والى اليسار منه ،ثمة نافذة صغيرة غطّاها ستارٌ بلون بنّي باهت يقاربُ ألوان جدران الغرفة مع وجود تلفازٍ صغير إستندَ على حامل معدنيّ في الجدار المواجه له. كان الليل ،في هذه اللحظات ، مضى منه أكثر من منتصفه . وحرارة الجو بدت خانقة رغم أن المروحة كانت تصارع هواء تموز الساخن. شدّ إنتباهه وجود ثعبان صغير يقاربُ طوله قدماً ، ولا يدري كيف ، ومن أين ، تسلّلَ ، لكنّه ما زال قريباً من الركن العلوي الأيمن للنافذة ،ما جعله يخمّن دخوله من ثقبٍ ما ، من هذه النافذة ، رغم تأكده من أنها محكمة الإغلاق ، لكن ذلك ،لا يعدم وجود ثقبٍ ما ،بحيث إستطاع التسلّل من خلاله ودخل غرفته ويقف لصق الجدار قريباً من المصباح. ثمة مستطيل يشغل جزءًا من الجدار المواجه له،حيث يقف الأفعى الآن .المستطيل كان على شكل لوحة مزخرفة بألوان قاتمة إرتسمت فيها العديد من الدوائر والمثلثات فضلا عن أشكال هندسية أخرى تداخلتْ مع بعضها ،لتشكّل هذا المستطيل. تحرّك الأفعى ببطئ ثقيل نحو هذا المستطيل، بحيث ضاع أكثر من ثلثي طوله، في داخله ، حتى ان ألوانه القاتمة تماهت تماماً مع ألوان المستطيل وكأنه أراد من دخوله فيه ، التمويه على نفسه وحجب رؤية الآخرين له،وقد دخل ، الآن ، بكامله في المستطيل …… " هذا الأفعى، قطعاً فَعَل ذلك بوحيٍ من غريزة داخلية لا يخلو منها أيّ كائن حيّ ،صغُرَ أم كبُرَ…" . هكذا فكّر وهو يرصد بنظراته المتلاحقة والحذرة ، حركة الثعبان ….. غريزةُ دفاعكَ عن نفسك، وأنت طريح فراشك ، لا شكّ إنها أكبر من غريزة خوف هذا الثعبان الطفيليّ على نفسه ، ولكنّها ، وهذا ما يؤلمك و بشدّة ، أنها إضمحلّت وباتت شبه متلاشية ،منذ ذلك الحادث المروّع الذي وقع لك قبل خمس سنوات ، حين كانت نيران الحرب تلتهم كل شيء ، فأقعدك عاجزا على الفراش، ولا تقوى على فعل شيء .. ما زال يتتبّع الأفعى في زحفه البطيء فبدا متجمداً فوق النقوش الزخرفية للمستطيل، ثم حرّك رأسه مبتعداً به قليلاٌ، عن ملامسة الجدار ،راح يتخيّل بانه يسمع فحيحَه بوضوح ،فأشعره ذلك بقشعريرة خفيفة سَرتْ في جسده الممدّد. أراد أن يغيّر من وضع تمدده فأحدثت هذه الحركة البطيئة صريراً خفيفاً إنبعث من السرير …..... في الغرفة الأخرى ،الملاصقة لغرفته ،كان يسمع صوت صريرَ سريرٍ آخر يأتيه بوضوح ومتماجزاً مع لهاثٍ لأنفاسٍ متقطّعة ،تخفتُ وهلة وتعلو أخرى، لتتناغم مع صرير سريره من تحته ، فيسمعها وكأنها حمحمة فرسين جموحين في حلبة سباق.حاول أن يمدّ يده ليتناول قدح الماء المركون قريبا منه فوق الطاولة لكن إنفعاله الواضح وإرتعاشة يديه، دلقا القدح، فأنسكب ماؤه فوق الطاولة وعلى بلاط الغرفة ،ثم عدل عن فكرة شرب الماء ،ربما بسبب تحرك الأفعى من جديد حين إستدار نحو الخلف، كما لو أنه يروم التراجع ليخرج من حيث أتى ……..... الى أين أيها الملعون ؟ يبدو أنك أشدّ لعنة منهما لو خرجتَ وتركتني وحيداً مرة أخرى.. لٍمَ لا تدخل عليهما الغرفة وتشاركهما لذّتهما الشيطانية ؟ وليتك تتوّج إنتقامي المستعر في داخلي وتستعيره مني ممتزجا بشهوتي الجنونية ، لتفترس هذه العاهرة التي رمتني في قمامة الإهمال منذ أن أصبحتُ مقعداً ؟ وبات همّها الوحيد ممارسة لذتها الشهوانية، في كل ليلة دون أن تحسب لي أدنى حساب بل هي،باتت تتعمد فعل ذلك في معظم الليالي . وها هو صوت لهاثهما يصل أذني كصوت مطرقة ثقيلة تدك عظام جسدي المشلول القابع في هذه الغرفة البائسة ؟ ……… توقف الأفعى وأدار رأسه الى الخلف وكأنه ألغى فكرة مغادرة الغرفة المجاورة ،ثم زحف بإتجاه المصباح الذي لا يبعد عنه إلّا قليلاً وهو يحرك رأسه بكل الإتجاهات وثمة ما يوحي له بأنه لا يسمع حفيفه يتناهى إليه واضحاً ومتمازجاً مع فحيح آخر يأتيه من الغرفة الأخرى الملاصقة لغرفته مختلطاً ومتناغما مع لهاثِ وصريرِ سريره ،ثم، وبدلاً من أن يحقّق الأفعى أمنيته ويدخل عليهما الغرفة ، عاود الرجوع من حيث أتى ،وفي هذه الأثناء ، خمدت تماماً أصوات اللهاث والأنفاس المتقطعة المتأتية من الغرفة الملاصقة لغرفته، وخيّم فيها سكونٌ ثقيل جدا ،وكذلك في غرفته أيضاً ، ثم تسلل الأفعى وخرج من حيث أتى ..
|
المشـاهدات 247 تاريخ الإضافـة 29/09/2023 رقم المحتوى 30017 |