الجمعة 2024/10/18 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 29.95 مئويـة
الورد في القصيدة العربية
الورد في القصيدة العربية
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

سامي ندا جاسم الدوري

في الحياة استخدام وأمثال في الأدب والشعر لكلمة الورد، عرف الورد أيضاً بمجالس الخلفاء بعد ظهور الترف فيها، غير أنه كان معروفاً في الجاهلية، فوردة اسم أم صاحب المعلقة طرفة بن العبد وهو القائل /

مع الحب المبرح غير صاح

مع الحسناء وردة إن قلبي

أقارع نجم وردة بالقداح

وددت وكاتب الحسنات أني

وفي عصر الإسلام ذكر الورد في القران (فَإِذَا انشَقَّتِ السَّمَاء فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ) قال أبو دلف في تشبيهه تقلب الورد بموسمية الورد/

ولا خير فيمن لا يدوم له عهد

أرى ودكم كالورد ليس بدائم

له زهرة تبقى إذا فنى الورد

وحبي لكم كالآس حسناً ونضرةً

واتفاق البشر على جمال الورد وروعته، لم يمنع ابن الرومي من هجائه بقوله /

يا مادح الورد لا تنفك عن غلط

ألست تنظره في كف ملتقطه

كأنه سرم بغل حين يخرجه

عند البراز وباقي الروث في وسطه

فرد عليه ابن المعتز /

غلطت والمرء قد يؤتى على غلطه

يا هاجي الورد لا حييت من رجل

إإذا تحلت يحاكي الوشي في نمطه

هل تنبت الأرض شيئاً من أزهارها

وأن طبيعة الأندلس الساحرة، وحدائقها الغناء بما فيها من الورود ذات الألوان الجميلة، والروائح الزكية ألهمت الشعراء الأندلسيين، قال المعتضد بالله /

كأنما ياسمينا الغض

كواكب في السماء تبيض

والطرق الحمر في جوانبه

كخد حسناء مسه عض

إن للازدهار والتطور الذي مرَّ به العرب في حياتهم أثر في نفوسهم، حيث ارتحلوا من حياة الصحراء القاحلة إلى المدن والرياض الغنَّاء والعيش في قصور تحيط بها البساتين من كل جهة وتزينها الأشجار والورود من كل صوب. قال ابن رشيق القيرواني /

بنفسج جاءك في حين لا

حر يرى فيه ولا فرط يرد

ولقد انعكست هذه المشاهد الخلابة على نفسية الأدباء الذين استحدثوا أغراضًا جديدة تواكب هذه المظاهر، من جمال ، فعمدوا إلى وصف البساتين والرياض وما تحتويه من أنواع الأشجار والزهور الخلابة. قال الشاعر في محبوبته وهو يرى جمالها ابهى من الأزهار /

ما رَوضَةٌ خَضراءَ أَزهَرَ نَورُها

بِالقَهرِ بَينَ شَقائِقٍ وَرِمالِ

بَهِجَ الرَبيعُ لَها فَجادَ نَباتُها

وَنَمَت بِأَسحَمَ وابِلٍ هَطّالِ

حَتّى إِذا اِلتَفَّ النَباتُ كَأَنَّهُ

لَونُ الزَخارِفِ زُيِّنَت بِصِقالِ

نَفَتِ الصَبا عَنها الجَهامَ وَأَشرَقَت

لِلشَمسِ غِبَّ دُجُنَّةٍ وَطِلالِ

ورغم هذا التطور والانتقال من البادية إلى المدن والبساتين الغنَّاء، فهذا لا يعني خلو الشعر القديم من وصف الرياض والأزهار قال الأعشى

يصف روضة /

ما روضة من رياض الحزن معشبة

خضراء جاد عليها مسبل هطل

يضاحك الشمس منها كوكب شرق

مؤزر بعميم النبت مكتهل

من أشكال الزهور التي تم ذكرها في الأدب البَهار وهو الأقحوان حيث شبه ابن الرومي زهرة البَهار بالشمس /

ضحك البَهار بأرضها وتشقق

فيها عيون شقائق النعمان

لقد تغنّى الشاعر العربي بجمال الورد وعبّر عن انفعالاته وأحاسيسه في مقامات مختلفة تتصل بأغراض شعرية تشكّل نسيجا إيقاعيّا وتصويريّا عبر جملة من المعاني مثل العشق والوجد والشوق . قال إيليا ابو ماضي /

لما رأيت الورد في خدّيك

وشقائق النعمان في شفتيك

وعلى جبينك مثل قطرات النّدى

والنرجس الوسنان في عينيك

ونشقت من فوديك ندّا عاطرا

لما مشت كفّاك في فوديك

يكثر الشاعر من وصف الطبيعة بما فيها من ورود وزهور يشكّلها عبر لوحات وصفية كمرجعيات للجمال تمثل غالبا وسيطا فنيا يعبر من خلاله عن أعماقه والتغني بمحاسن حبيبته

قال طرفة بن العبد يصف للأقحوان /

بادِنٌ تَجلو إِذا ما اِبتَسَمَت

عَن شَتيتٍ كَأَقاحِ الرَملِ غُر

بَدَّلَتهُ الشَمسُ مِن مَنبَتِهِ

بَرَداً أَبيَضَ مَصقولَ الأُشُر

وَإِذا تَضحَكُ تُبدي حَبَباً

كَرُضابِ المِسكِ بِالماءِ الخَصِر

ان الطبيعة القاحلة الجدباء حين عرضها الجاهلي في أشعاره للدلالة على الجمال يرسم عبرها لوحة السحر الأنثوي حين خرج بالورد والزهر من محدودية المكان في وصف الصحراء والأرض البوار وما يحيط بها من موت وقحط إلى وصف الطبيعة وإعطاء معنى آخر للحياة والخصوبة بما فيها من جمال ليجعل منها مناسبة لطيب الرائحة والجمال .

قال ابن المعتز في الأزهار وسحر جمالها /

أما نرى بهجات الروض في السحر

فوق الندى واتساق الورد في الشجر

إذا السحاب سقاها الدجى خلقت

بعد السحب عليها الشمس في البكر

والروض من زهر زاه لنظرته

وكامل منه في الأغصان منتظر

الصحراء لها ورودهاوعشبها ولها طبيعتها الخصبة. وهذا ما يخول لنا اعتبار الخصوبة والجمال هي معانٍ ينشئها الشاعر في ذهنه أكثر من رؤيتها في الواقع . هي ما يشكّلها خياله الخصيب في مكنوناته الشعريّة .قال البحتري /

أتاك الربيع الطلق يختال ضاحكاً

من الحسن حتى كاد أن يتكلما

وقد نبه النيوروز في غسق الدجى

أوائل ورد كن بالأمس نوما

يفتقها برد الندى فكأنما يبث

حديثاً كان قبله مكتما

لقد اقترنت لوحات تشكيل الجمال الأنثوي باللوحات الطبيعية الخلابة وخاصة الزهور.

قال أبو فراس الحمداني /

الورد في وجنتيه

والسحر في مقلتيه

وإن عصاه لساني

فالقلب طوع يديه

يا ظالماً لست أدرري

أدعو له أم عليه

أنا إلى الله مما

دفعت منه إليه

يبدو الشاعر ممارسا للرؤيا التي تمثل في الواقع تجاوزا للرّؤية البصريّة إلى استقراء ذهني فيغدو الجمال الموصوف عبر الورد موجود في كينونته التي تنعكس على الصّورة الأصليّة ولكنه نابع في الواقع من الذات الشاعرة بالجمال .قال أبو الطيب المتنبي /

قد صدق الورد في الذي زعما

أنك صيرت نثره ديما

ان العلاقة بين الانسان وعناصر الطبيعة التي ترسّخت في مرحلة ما يجعل القول الشّعري في وصف الورد والزهور يتحوّل إلى دفق انفعالي .

قال أبو تمام /

نقل فؤادك حيث شئت من الهوى

ما الحب إلا للحبيب الأول

قتل الورد نفسه حسداً منك

وألقى دماه في وجنتيك

لقد شكّل الورد أفقا تخييليا في العديد من النصوص الإبداعيّة وخاصة الشعر الأندلسي الذي ارتبط بالبيئة وجماليّة الطبيعة وسحرها في قرطبة واشبيليّة وغيرهما من بلاد الأندلس .

 

المشـاهدات 326   تاريخ الإضافـة 11/06/2024   رقم المحتوى 47696
أضف تقييـم