الأربعاء 2025/1/15 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
ضباب
بغداد 4.95 مئويـة
نيوز بار
عندما يوضع الرجل غير المناسب في المكان المناسب
عندما يوضع الرجل غير المناسب في المكان المناسب
كتاب الدستور
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب أ.م.د. صدام العبيدي
النـص :

الوظيفة العامة أمانة دينية وأخلاقية وهي مسؤولية قانونية وأدبية توجب على الموظف أن يكون رائده في عمله خدمة أهله وطنه ومجتمعه، وهذا يتطلب منه أن يتفانى في عمله، ويخلص فيه، ويسعى للإبداع والتميز فيه، والإدارة لها دور كبير في تنمية قيم الكفاءة والنزاهة والاخلاص في العمل من خلال تعزيز مبدأ العدالة وتحقيق تكافؤ الفرص أمام جميع الموظفين وهذا لا يتم إلا عن طريق تفعيل مبدأ الثواب والعقاب فالموظف الكفؤء النزيه المخلص المتفاني في عمله لا بد أن يكافئ من خلال ترقيته بالمناصب ووضعه في المكان الذي يستحقه، أما الموظف المهمل في عمله، والمقصر فيه والذي لا يعطي الوظيفة حقها لا بد أن يحاسب على تقصيره وإهماله، هذا الذي يقوله المنطق السليم وهذا الذي ترتضيه قيم العدالة، أما أن يكافئ الموظف غير الكفوء أو المقصر فيترقى في المناصب يوماً بعد يوم ويستبعد الكفؤء فهذا خلاف المنطق وليس من العدالة في شيء، وللأسف هذا ما يحصل في دول العالم الثالث حيث أن المناصب والمسؤوليات لا يراعى في منحها الكفاءة والنزاهة والإخلاص وإنما هناك معايير أخرى تحكم توزيع المناصب، فتوزيع المناصب في العراق تتحكم فيه للأسف المحاصصة الحزبية والطائفية والقومية، فالانتماء للأحزاب وتقديم فروض الولاء لزعمائها وقادتها هو الطريق الأسرع لمن يريد أن يصل إلى منصب معين، ناهيك عما نسمع من مناصب تُشترى وتُباع بمئات الآلاف من الدولارات وهذا سبب مأساتنا ومصيبتنا وبقاءنا في ذيل الدول، فمع مليارات الدولارات التي أُنفقت لا يزال البلد يعاني من النقص الحاد في الماء والكهرباء والبنى التحتية والخدمات الأخرى، ويعاني شبابه من البطالة التي تزداد يوماً بعد يوم، ويعيش أكثر من 10 مليون عراقي تحت خط الفقر بحسب الاحصائيات الرسمية، ناهيك عن الفساد الذي ينخر جسد الدولة، كل هذه المآسي والمصائب لأننا وضعنا الرجل غير المناسب في المكان المناسب، فلم نضع الموظف الكفؤء المهني النزيه في المكان الذي يستحقه حتى يستطيع أن يخدم وطنه ومجتمعه. وكلنا ربما سمعنا قصة الجاسوس الروسي الذي جندته الولايات المتحدة الأمريكية لصالحها، ففي نهاية الحرب الباردة جندت الولايات المتحدة جاسوساً روسياً يعمل مستشاراً للرئيس الروسي وكان من أكثر السياسيين اخلاصاً في العمل لذا تفاجئ الجميع عندما تم الكشف أن هذا الرجل يعمل جاسوساً للمخابرات الأمريكية وعندما ارادوا أن يحاكموه سألوه عن المهمة التي كان مكلفاَ بها، فقال كنت أقدم استشارات غير أمينة وهدامة للرئيس وهي وضع الرجل المناسب في المكان غير المناسب وعلى هذا فقد كان يأتي بالمهندس الزراعي ويضعه في وزارة المالية، والتربوي يضعه في وزارة الصناعة وهكذا كما هو الحال عندنا في العراق فخريج العلوم الإسلامية يعين مديراً لمطار أو رئيساً لهيئة الاستثمار أو وزيراً للكهرباء أو الداخلية أو الدفاع، وخريج العلوم السياسية يقلد منصب بوزارة الكهرباء أو الزراعة أو الصناعة حتى صار وضع الرجل غير المناسب في المكان المناسب عرفاً صار يتكرس يوماً بعد يوم، مع العلم أن تقدم المجتمعات وتنميتها وتطورها لا تتحقق إلا عن طريق وضع الموظف في مكانه الصحيح، وهذا هو سر تقدم الدول الأوربية والأمريكية وغير من الدول فهناك توزع المناصب على أساس الكفاءة والإخلاص والنزاهة، لا على أساس الانتماءات الحزبية أو القومية أو الطائفية، فمقولة الرجل المناسب في المكان المناسب التي لم نطبقها ولم نعرف أهميتها هي سر تقدم الدول والشعوب الأخرى، مع العلم أن ديننا الإسلامي أكد عليها في أكثر من موضع لكننا لم نأخذ بها ولم نعمل بموجبها، فالرسول عليه الصلاة والسلام يقول: "من ولي من أمر المسلمين شيئا ، فولى رجلاً وهو يجد من هو أصلح للمسلمين منه فقد خان الله ورسوله" وفي رواية أخرى" خان الله ورسوله وجميع المسلمين"، فالمسؤول الذي يولي شخص منصب وهو يعرف أن هناك من هو أولى منه بهذا المنصب فهذا المسؤول بنص الحديث خائن لله ولرسوله وللمسلمين. وعندما طلب أبو ذر رضي الله عنه من الرسول عليه الصلاة والسلام أن يوليه الإمارة قال له الرسول عليه الصلاة والسلام: " يا أبا ذر إنك ضعيف، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزيٌ وندامة، إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها". هذا وغيره الكثير من النصوص التي وردت في تراثنا الإسلامي فيما يتعلق بتولية المناصب والمسؤوليات وضرورة أن يوضع الشخص بالمكان الذي يستحقه، فمتى يا ترى نضع الرجل المناسب في المكان المناسب؟

 

 

 

المشـاهدات 177   تاريخ الإضافـة 20/07/2024   رقم المحتوى 49722
أضف تقييـم