الجمعة 2024/10/18 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 29.95 مئويـة
المال الحلال في القصيدة العربية
المال الحلال في القصيدة العربية
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

سامي ندا جاسم الدوري

إن التعامل بالمال يَكْشف عن معادن الرجال والمالُ فِتنةٌ شديدة، وليس أمام الإنسان إلا الصمود أو السقوط فلا خيارٌ ثالث ولا حَلٌّ وسط. وللأسف فإن السَّواد الأعظم من الناس يَسْقطون في هذه الفِتنة. قال لبيد بن ربيعة العامري في ذهاب المال والأنفس /

ومَا المرءُ إلَّا كالشِّهابِ وضَوئِهِ

يحورُ رَماداً بَعدَ إذْ هوَ سَاطِعُ

ومَا البِرُّ إلَّا مُضمَرات مِنَ التُّقَى

وما المَالُ إلا مُعْمَراتٌ وَدائِعُ

وما المالُ والأهلُونَ إلا وَديعَةٌ

ولا بُدَّ يَوماً أنْ تُردَّ الوَدائِعُ

ومهما يكن من الأمر تقتضي البداهة أن نعترف بأهمية المال ليستمر الإنسان بتأمين متطلباته الأساسية في الحياة خاصَّة وأنَّ عالمنا اليوم لم يعد عالماً للزهد ربما حتَّى الزهد بات يحتاج إلى المال . وقال الشاعر /

وَفِي النَّاسِ مَن ظُلمُ الوَرَى عَادةٌ لهُ

وَيَنْشُرُ أَعَذارًا بها يَتَأوَّلُ

جَرِيءٌ على أَكِل الحرامِ ويدَّعِي

بأنَّ لهُ في حِلَّ ذلك مَحمَلُ

فَيَا آكِلَ المَالِ الحرامَ أَبِنْ لَنَا

بأي كتابٍ حِلُّ ما أَنتَ تَأكلُ

وقال ابن الرومي أن المال كبئرٍ يُنتِنُها ألّا تغترف منها /

المالُ يكسبُ ربَّهُ ما لم يَفضْ

في الرَّاغبينَ إليه سُوءَ ثناءِ

كالماءِ تأْسنُ بئرهُ إلَّا إذا

خبطَ السُّقاةُ جِمامهُ بدلاءِ

والنَّائلُ المعطَى بغير وسيلةٍ

كالماءِ مغتَرَفاً بغيرِ رِشاءِ

واهتم الشعراء العرب منذ القدم بموضوع المال لما له من أثر في الحياة،حيث صان كرامة أصحابه ولطالما أورثت قلَّة المالِ السَقم.

لكن مع ذلك نجد أغلب الشِّعر زاهداً بالمال ورافضاً جمعه واكتنازه، حيث يرى الشَّاعر المخضرم الحطيئة أنَّ التَّقوى خير من المال إذا أراد الإنسان كنزاً/

ولَستُ أرَى السَّعادَةِ جَمعُ مَالٍ

ولكنَّ التَّقيّ هوَ السَّعيدُ

وتَقوى الله خيرُ الزَّادِ ذُخراً

وعند الله للأتقى مَزيدُ

وقال صَفيُّ الدِّينِ الحلي أنَّ المرء ما لم تكن الأموال في نفسه ذليلةً لن يجد طريقه للعزِّ/

يَا مَن يُعِزُّ المَالَ ضَنّاً بِهِ

إنَّ المَعالِي ضِدَّ مَا تَزعمُ

مَا عَزَّ بَينَ النَّاسِ قَدرُ امرئٍ

إلّا وقدْ ذَلّ بِهِ الدِّرهَمُ

كما نجد من الشُّعراء من أعطى المال قيمته في الحياة، بل من أشار إلى قدرة المال على تغيير المصائر والمقادير، إضافة إلى من ربط بين المال ومصدره أو بين المال ومنتهاه قال الإمام الشافعي /

فَلا ذا يَراني واقِفاً في طَريقِهِ

وَلا ذا يَراني قاعِداً عِندَ بابِهِ

غَنيٌّ بِلا مالٍ عَنِ الناسِ كُلِّهِم

وَلَيسَ الغِنى إِلّا عَنِ الشَيءِ لا بِهِ

وحاتم الطائي أكثر اهتماماً بعلاقة المال بالكرم، وهو الذي لا يرغب بادِّخار شيء لنفسه ويميل إلى البذل والعطاء . وقال /

أماويَّ قَد طَالَ التَّجنُّبُ والهَجرُ

وقدْ عَذرتني مِن طلابِكم العُذرُ

أماويَّ إنَّ المَالَ غادٍ ورَائح

ويَبقَى مِن المَالِ الأحادِيث والذِّكرُ

أماويَّ إني لا أقولُ لِسَائلٍ

إذا جَاءَ يوْماً حَلَّ في مَالِنا نَزْرُ

أماويَّ إمَّا مانحٌ فمُبينٌ

وإمَّا عَطاءٌ لا يُنَهنِههُ الزَّجرُ

أماويَّ مَا يُغني الثَّراءُ عَن الفَتَى

إذا حَشرَجَتْ نَفسٌ وضَاقَ بها الصَّدرُ

قال الإمام الغزالي رحمه الله: فمن اختار ماله وولده على ما عند الله فقد خسر خسراناً عظيماً. والمال الحقيقي للإنسان هو ما أنفقه في دنياه والباقي وما أكثر الباقي عند البعض سوف يذهب ويتركه لغيره. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( يقول ابن آدم: مال مالي, وهل لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت أو لبست فأبليت أو تصدقت فأمضيت ) وقد قيل( خير مالك ما وقاك وشره ما وقيته ). قال الإمام علي كرم الله وجههه/

فكيف تخاف الفقر والله رازق

فقد رزق الطير والحوت في البحر

ومن ظن أن الرزق يأتي بقوة

ما أكل العصفور شيئاً مع النسر

تزول عن الدنيا فانك لاتدري

إذا جن عليك الليل هل تعيش إلى الفجر

فكم من صحيح مات من غير علة

وكم من سقيم عاش حيناً من الدهر

المال محمود من وجه ومذموم من وجه فمن استخدامه في طاعة الله عز وجل فذلك مال محمود. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (نعم المال الصالح للرجل الصالح ) ومن شغله ماله عن طاعة الله عز وجل فهو مغبون خاسر قال الله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ

أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ) وقال تعالى: ( إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ ۚ وَاللَّهُ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ) .

 

 

المشـاهدات 133   تاريخ الإضافـة 12/08/2024   رقم المحتوى 51209
أضف تقييـم