-قصة قصيرة -((تجليات عرافة)) |
فنارات |
أضيف بواسـطة addustor |
الكاتب |
النـص : -شيماء حسين.
كانت خطوات توفيق ثقيلة محملة بالهم وفي رأسه َتدور آلاف الأفكار والأسئلة بعد خروجه من العرافة (ام النعيم) المنجمة الأولى في البلدة التي زارها بعد فقده الأمل من كل الأطباء، حيث أثبت الجميع أن أيامه معدودة لاتتجاوز الستين يوماً أو أقل. نفت أم النعيم ماقاله الأطباء وبثت في نفسه بريق أمل حتى وإن كان ضئيلاً وطلبت منه أن يجلب لها كبشاً فدية له يذبح ويوزع على عامة الناس والفقراء خاصة، كما طلبت أن يجلب لها عينا الجاموس ولسانه وقلبه والوبر الذي يحيط رأسه من الخلف. وافق توفيق لعل على يديها تتم المعجزة. سمعت حنان زوجة توفيق بما حصل بين المنجمة وزوجها ولم تتردد بالطلب و شجعته لتنفيذ طلبها في أسرع وقت ممكن. عم الصمت مكان جلوس توفيق وزوجته وهما يتطلعان الى أوراق الأطباء، العقاقير والتقارير التي أخذت حيزاً كبيراً من الطاولة. راح توفيق يجمعهم في كيس كبير وهو جيكرر:سأمتُ العلاج، سأمتُ الحياة، سأمت كذب الدجالة أم الجحيم. سقط أرضاً يبكي ويلهج بصوت عالٍ مخاطبا زوجته: اتصلي بأخي مراد بسرعة. تقدمت زوجته َوهي تسحب جهاز الهاتف من جيب بنطاله وهو مايزال مطروحاً على الأرض كالطفل الذي فقد أمه في زحام العمر. زوجته:الو مراد أخاك يطلبك الآن تعال بسرعة أرجوك. أغلقت الهاتف المحمول وتوجهت نحو زوجها تتوسل به أن يصحو ويقترب من سريره كي يرتاح ويكف عن الانهيار. لم يعد هنالك شغف وبات كل شيء عند توفيق بطعم المر حتى تلك الزاوية التي تظم مجموعة من أشيائه الأثيرة إلى نفسه، الكتب واسطوانات الموسيقى، والأزهار المجففة بين طبقات الكتب المركونة على رفوف المكتبة. هاجر كل شيء وأصبح منطوياً على نفسه ينتظر حلول الموت ليختصر كل تلك الفوضى التي سكنته. دخل مراد وفي ملامحه عدم الرضا بما قدر الله؛ توجه إلى حيث يستلقي أخيه وجلس بقربه قائلاً:نحن جميعاً مغادرون بطريقة ما يا توفيق.أنت تموت مرضاً لربما أنا أموت غرقاً ولا نعرف كيف لكن نعرف أنّ الجميع راحلون دون جدوى يا أخي. التفت توفيق لمراد وتنهد قائلاً: أريد الموت ولا احتمل الوجع. حل الصمت وبدأ صوت المطر يغني أنشودة الوداع الأخير. لا يعلم مراد أنها دقائق توفيق الأخيرة، إذ لم تمضِ من المدة المتوقعة من قبل الأطباء غير يومين فقط. -مابك ياتوفيق؟ - أشعر أني سأغادر الحياة.هل تذكر حينما كنا صغار ا كيف كان موضوع الروح يشغلنا دائماً؟ - أعدك إن كان موضوع الروح حقيقة سأزورك كل يوم أو بين الحين والآخر لأخبرك بكل شيء. سقطت دموع توفيق وهو يكرر: كل شيء يا مراد. انتهى دور توفيق وأصبح طريق أخيه موحشاً مليئاً بالذكريات والألم والفقد، ينتظر حلول الروح في حلم أو رؤيا أو حقيقة لم يعد الخوف نافعاً لقلوب لم تشعر بغير الألم. مر أسبوع على رحيل توفيق ولم يحضَ مراد بما كان يتوقع، ضل صدره حبيس الحسرات وهو يستذكر كلمات توفيق الأخيرة عن الروح. زار مراد الشيخ المسؤول عن الافتاء في دور العبادة وجلس أمامه منفجراً بالبكاء لا يعلم من أين يبدأ. تفهم الشيخ الحالة وراح يربت على كتفه ويردد: كلنا راحلون، لا تنتظر رجوع الراحلين واصبر واحتسب. انتفض مراد بسرعة مقترباً من الشيخ متسائلاً: يا شيخ، هل تراني روح أخي و تسمعني، أين هي الآن؟ لماذا لا يزورني، هل هو بخير؟ ماذا تعرف عن الروح؟ تكلم أرجوك. الشيخ: اهدأ يابني، الإنسان حين يموت لا يبقى منه شيئاً. والآن استميحك عذراً. تبع مراد الشيخ مستفهماً: هل رحلت الروح مع أخي ولا يزورني بعد ليعلم بما أشعر وأريد؟ تمتم الشيخ وهو يمشي بخطوات سريعة: نعم نعم. استدار مراد تاركاً الشيخ خلفه يعلو صوته منبر المصلين بقوله تعالى:«ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً». ت تيقن مراد أنّ الحوارات التي كانت تشغله مع أخيه عن الروح فارغة لم يجنيا منها سوى ضياع وقتهما. حل الظلام وساد الهدوء، فنام مراد في حجرة توفيق ليرحل صباحاً لبلدة تبعد عن هذه الديار سبع ساعات. الغرفة والكتب والأسطوانات، كل شيء في مكانه حتى الزهور المجففة. باتت حجرة خاوية تنقصها الروح التي غادرت دون عودة. في أعماق الليل، حيث تتلاشى الحدود بين العالمين، روحٌ تائهة تجوب الأرض باحثة عن ضالتها بعد الموت، منادية مراد: مراد، استيقظ.لقد حلت الظهيرة، هيا يامراد. فتح مراد عينيه ببطء ثم ابتسم قائلاً:لقد حسبتك ميتاً ياتوفيق.اللعنة، ياله من كابوس لا استطيع التحرك بسببه.
|
المشـاهدات 175 تاريخ الإضافـة 25/09/2024 رقم المحتوى 53920 |