عقيل علي،،بين ضياع الخمرة ووهم الشعر؟!! |
فنارات |
أضيف بواسـطة addustor |
الكاتب |
النـص :
اشارة تحريضية/شوقي كريم حسن في الزمان الذي تتداخل فيه الهمسات مع صرخات الأمل المفقودة، كان عقيل علي أحد الأسماء التي تُقال في السر، تُذكر في الحانات والظلال، ولا تلتقي مع الحقيقة إلا في أطراف الحديث. لم يكن هناك من يكتب له، كما قيل، ولا من ينقش له حروف الشعر على جدران العالم. هو لم يقرأ كتابًا، ولا كان يملك شغفًا معلقًا بين يديه يحمّله الأسئلة. كل ما كان يملكه هو تلك الكلمات المبعثرة التي تشتعل في قلبه وتطفو على حواف الذاكرة كلما زادت حصصه من الخمر. ألم يشبه نفسه حين قال في لحظة سُكر: “الشعر ليس سوى وهم، وهمٌ نعيش فيه بينما الحياة تسحبنا إلى الفوضى”؟ كان يردد تلك الجملة وكأنها صدى لدوي عميق في ذاته. الشعر لم يكن إلا طيفًا يتلاشى خلف سحب السماء الضبابية، بينما الخمر، كما يُقال، كان هو الضوء في الظلام. كان يظن أن الجنون الذي يصيبه بعد كل كأس هو أقرب ما يكون إلى الإلهام. لكن الشعر، في النهاية، لم يكن سوى معركة خاسرة مع الوقت، مع الواقع الذي كان يتسمم منه كلما ازداد انغماسه في أكوابه. حكاية عقيل علي حكاية رجل يسير على حافة الخطر، يحاول أن يجد له مكانًا في عالم لا يرحم، ولكنه في النهاية لا يستطيع الهروب من نفسه. كان يذهب إلى بغداد ليجد مهربًا جديدًا، بعيدًا عن عيون الناصرية وذكرياتها التي كانت تؤلمه أكثر من أي شيء آخر. وظل يراوح بين فنادق الدرجة العاشرة، يأخذ سُباتًا طويلًا هناك، يستيقظ ليجد نفسه على حافة الهاوية. هو لم يكن يتحدث عن الشعر، ولم يكن يكتب عنه، لأنه كان مجرد وهم يتلبس في جسده المرهق. ولم يكن هناك أحد يقف بجانبه ليصوّب المسودات الضائعة التي تركها خلفه. لكنه ، في أعماقه، يرفض أن يُسمى “صعلوكًا”. لم يكن صعلوكًا في مفهومه الخاص. لم يكن يهرب من الواقع بغير الوعي كما ظنوا، بل كان يحاول أن يعثر على معنى في فوضى لا معنى لها. سقط هناك في محطة باصات النقل، ملطخًا بالدماء بعد نزف طويل، وكأن الحياة قررت أن تعطيه النهاية التي يستحقها. ولكن النهاية ليست النهاية، هل هي؟ النهاية قد تكون بداية أخرى، ربما في مكان آخر بعيد. بينما كانت الأنوار تتلألأ في محطات الباصات، لم يكن هناك أحدٌ يلتفت إلى عقيل علي. لا أحد يراه في تلك اللحظة التي كان فيها يتنفس بصعوبة، ناظرًا إلى الوجوه العابرة التي تسير بسرعة، كأنها لا تحمل أي همٍ سوى اللحاق بالمكان والزمان، بعيدًا عن أي ماضٍ مرير. كان الدم يتساقط على الأرض، مثل سطور قصيدته التي لم تكتمل أبدًا، كأن الحروف في داخله فقدت القدرة على تشكيل الكلمات. ظل يظن، في عمق ذهوله، أن ثمة أحدًا سينقذه، لكن الزمن كان أضعف من أن ينقلب في لحظة. كل ما تبقى له كان تلك الذكريات التي تداخلت مع تلك اللحظة، حيث كان يختبئ من نفسه في كؤوس الخمر، ويخادع قلبه بأن الشعر هو ملاذه الوحيد. شعر أنه يكتب كلمات لا يعرف عنها شيئًا، ويقول أشياء لم تكن لتكون حقيقية، ولكنها في النهاية كانت جزءًا من ذاته الضائعة. بينما يستشعر برد الحياة الذي يلفه، تذكر بغداد، تلك المدينة التي عاشت بين زوايا ذاكرته كالعشق الفاقد للصوت. تذكر تلك الأيام التي كان يراها فيها مكانًا آخر غير الذي أصبح عليه الآن. كانت بغداد، كما شعر، مرآةً لوجوهه المكسورة، وهي التي منحته الهدوء في لحظات الصخب. كانت تردد له بأصواتها الحزينة: “أنت لست كما تظن.” ولكن أين هو الآن؟ أين الشعر الذي يقال عنه أنه كان كامنًا في أعماقه؟ أين الخمر الذي كان يظن أنه يداوي الجروح؟ تلك الأسئلة التي لا تكاد تنتهي كانت تتساقط على قلبه مثل مطر في ليلة قاحلة، لكن لا إجابة. أخيرا، عندما تضاءلت الأصوات حوله، ورغم أن المحطة كانت تعج بالغرباء، بقي هو في مكانه، عاقدًا عزمه على التحدي الأخير. “أريد أن أقول شيئًا قبل أن تغلق الحياة هذا الباب إلى الأبد” همس لنفسه. كان يعلم أن لا أحد سيعيد كتابته، ولا أحد سيعيد تأريخ تاريخه المبعثر. كانت هذه اللحظة هي الحقيقة الوحيدة التي يمكنه الإحساس بها. قبل أن يغلق عينيه ويترك الجسد ليلاقي مصيره، همس في نفسه: “أرفض أن أكون صعلوكًا، لم أكن كذلك يومًا. ”وبينما كان يلفظ أنفاسه الأخيرة، كان عقيل علي يرى نفسه في مرآة تتشقق على حوافها. لم يكن الموت بالنسبة له نهاية، بل كان بمثابة تجسيد لتلك اللامبالاة التي شعر بها طوال سنواته، تلك التي حولت شعره إلى مجرد وهم وخلقت بينه وبين نفسه جدارًا غير مرئي، جدار لا يستطيع أحد اختراقه. في لحظة غريبة، شعر وكأن يديه تحركان بحركة غير إرادية، وكأن الروح لا تزال تمسك بخيوط الحياة، تحاول أن تكتب على الهواء كلمات لم تُنطق، لكن شيئًا ما كان يثقل الصمت. لم يكن يهمه أن يترك خلفه ذكرى، لم يكن يفكر في من سيكتب عنه أو من سيظل يتذكره. كانت تلك اللحظة تمثل اكتشافًا مختلفًا له: لم يكن عقيل علي شاعرًا ضائعًا، لم يكن صعلوكًا، بل كان شخصًا ضُيِّق عليه الفضاء حتى غرق في ما كان يُعتقد أنه قد يفقده تمامًا. لكن في أعماقه، كانت بعض الأبيات تنبع من بين شفتيه رغم الجراح، كان يسمعها وهو في غيبوبته، عبارات ضبابية كانت تعني شيئًا واحدًا: الحياة هي أكبر من أن تُختصر في لحظة سكر، أكبر من أن تُقيَّم بالانكسار أو الهزيمة. في تلك اللحظة، كان عقيل علي قد صمت. لكنه، في الحقيقة، كان قد كتب أخيرًا نصه النهائي. لم يكن موت عقيل علي هو النهاية التي أرادها لنفسه، بل كان بداية لفهم أعمق ما كان يحمله طوال حياته. رغم أنه رحل، إلا أن قصته بقيت عالقة في هواء بغداد، وفي أروقة الأماكن التي عبرها، حيث ترك خلفه أكثر من مجرد ذكريات مُبهمة. كانت كلماته، حتى وإن لم تكتمل، تردد في أذن الزمن، كأنها صوت لم يتوقف عن الهتاف، حتى في غيابه. الذين عرفوه في أيامه الأخيرة، أولئك الذين مروا بجانبه في فنادق الدرجة العاشرة أو في محطات النقل، لم يعلموا حقًا عن تلك المعركة التي كان يخوضها في صمت. لم يعرفوا أن الخمر لم يكن هروبه الحقيقي، بل كان تمويها لروح تبحث عن طريق، أو ربما كانت النهاية الوحيدة التي سمحت له بأن يلتقط أنفاسه الأخيرة بعيدًا عن الأعين. لكن أصدقاءه، الذين عرفوه في البداية، الذين ربما حلموا بأن يصبح شاعراً حقيقياً، بدأوا في إعادة النظر في كل تلك اللحظات الضائعة. بدا لهم أن عقيل علي لم يكن مجرد شخص ضائع في العدم. كان أكثر من ذلك. كان صوتًا لم يسمعه أحد حينما كان بيننا، وكان يعبر عن الواقع الذي نرفض رؤيته في أنفسنا. ومع مرور الأيام، بدأ بعضهم في جمع مسوداته التي تركها وراءه، على الرغم من أنها مهشمة ومبعثرة. تلك النصوص، مليئة بالفوضى، تشهد على تراجيديا شخص عايش الحياة بأكثر من طريقة، بكل تفاصيلها القاتمة والمضيئة. ومع كل صفحة كان يكتشفون فيها جديدًا عن عقيل، كانوا يكتشفون أيضًا أن الشعر الذي ظنوا أنه ضاع منه، كان قد وجد طريقه بطريقة ما، بطريقة لم يكن يتوقعها. في النهاية، وعندما بدأوا في نشر مسوداته، وجدت كلماته طريقها إلى العالم بعد أن فارقته. لم يكن قد ترك وراءه قصيدة عظيمة، لكن ما تركه كان أعظم: فوضى الحياة نفسها، كل ما هو حقيقي وغير مكتمل، ملئ بالآلام والأحلام المتناثرة. |
المشـاهدات 43 تاريخ الإضافـة 25/01/2025 رقم المحتوى 58417 |
اباطرة الملاعب بين نار الشغب وضياع الحقوق |
المندلاوي يعزي بإستشهاد القائد ابراهيم عقيل وكوكبه من رفاق دربه الدفاع النيابية تعلق على خرق لبنان وتوصي بشأن التصنيع الحربي |
جدلية الحضور والغياب وصراع البنية الزمنية وحتمية الاماكن (في لعبة حلم ووهم) قراءة في المجموعة الشعرية (كرتان ونجمة) للشاعرة (منتهى عمران) |
الدكتور عقيل مفتن يستقبل المصارع الاولمبي السابق غازي فيصل |
العتبة الحسينية للفرات نيوز: جزء من صحن العقيلة {ع} سيدخل الخدمة قريباً |