أسامة الخولي في جنون الحواف |
فنارات |
أضيف بواسـطة addustor |
الكاتب |
النـص :
ناصر أبو عون إذا كان ابن عربي يرى الرموز والألغاز ليست مرادةً لنفسها؛ وإنما مرادةٌ لما رمزَت إليه؛ فإنّنا نرى (الشاعر/القاريء/الناقد) في ديوان (جنون الحواف)، للشاعر المصريّ أسامة الخولي يتحدون في إهاب واحد مرةً، ويتشظّون داخل متاهة القصيدة، وأحايين كثيرة يتبادلون الأدوار، ويمارسون لعبة (الغُمّيضة) ما بين حواجز الفراغ الوهمية التي صنعها ما بين الشكل والمحتوى، ويتفنون في ابتداع صور جريئة من الاختباء ترتدي الاستعارات أثوابًا، والكنايات أقنعةً، والمجازات أجنحةً. في هذا الديوان يستنطق أسامة الخولي جوانيّة التعبيرات المباشرة، بعد أن يخلع أوجاع نفسه على باب القصيدة، ويتنصّل شكلا من هوى الشعر، الذي هوى بها في دهاليز المعاني؛ ليقضَّ قميص الموسيقى من دُبُرٍ، ويمزّق الغلالة الشفيفة التي تحجب المُراد من المعاني التي تتقنّع بالألفاظ المباشرة، ويُعمّدُها في بئر الحقيقة ظنًا منه أنّه سيكتشف الماوراء، وفي لحظة من لحظات الكشف المباغتة وعندما يعتقد أنّه قاب قوسين أو أدنى من الحقيقة الكبرى، تطلع شمس الرمزية على حين غرة من مشرق القصيدة، ثم تتعامد على أرض العقل، وتبدد غيمة الشعر التي عبرت سماءه، فيسعى من جديد لمحاورة الأفكار الوجودية علّه يصل؛ لكنّ أسفًا المتلفت لا يصل؛ ولكنه كمن غفا على صدر الفراغ، وكمش قبضة من سراب. وهنا يكمن سر من أسرار الإبداع الفني والابتكار الأدبي.. كما في قصيدته: (كينونة) التي يعيد فيها تعريف الشعر التي يقول فيها:[الشعرُ أنْ تلغي زمانَكَ فجأةً/وتفرَّ من موتٍ لموتٍ ثانِ/هو أنْ يَمدَّ الحرفُ قامة حُلمِهِ/ ليَرَى الزمانَ قصائدًا وثواني/ معنًى ضبابيًّا يهيمُ بداخلي/ليحطَّ نرجسةً على شرياني/ هُوَ محنةُ الطيرانِ في فلكِ الرؤى/ مستسلمًا لغوايةِ الشُّطآنِ/ هُوَذلكَ المحبوسُ/ يصرخُ في دمي/ في صولةِ التَّكوينِ والهذيانِ/ هُوَ طفليَ العفريتُ حينَ يبوسُني/ فيخربشَ الأحلامَ في وجداني/ هُوَ فرحةُ البنتِ الخجولِ/وعطرُهَا/ يطفو على كفِّ الفتى الولهانِ/ هو شطحةُ المجذوب/نَفْرةُ قلبهِ/هو سرُّهُ المعجونُ بالكِتمانِ/ هو محضُ عربدةٍ تتيهُ بنهدِهَا/ عبثًا تفتِّشُ عنْ سموِّ بنانِ/هو غيمةٌ حُبلى/تشهَّاها المدى/فتنامَ حالمةً بطقسٍ حاني/الشِّعرُ فعلٌ فاضحٌ/هو نزوةٌ/ألقتْ أناملَها إلى النيرانِ]. وبناءً على ما سبق؛ فإن الصورة الشعرية عند أسامة الخولي في هذا الديوان جاءت مقنَّعَة بالرمز؛ إنْ لم تكن صورة رمزية بامتياز تقع داخل معمار القصيدة بين قُضبين رئيسيين؛ كلاهما يحمل شحنات موجبة والشاعر/القاريء/الناقد بنار التأويل في حركة بندولية ما بين القطبين. أمّا القطب الأول فظاهره الرمز المشِّع الذي ينثر موجاته على وجه الحواس، وأمّا القطب الآخر فباطنه الفكرة المتأججة نارها ويتمثل في الرسالة التي يسعى أسامة الخولي إلى إيصالها المحمولة على سطح ومرآة الرمز. وتلك السمة تبّدَّت في قصيدته: (على كلٍّ أحبكِ) التي يقول فيها:[على كلٍّ أحبكِ رغم ضعفي/وفوق جموحِ أسئلتي وخوفي/وأعلى من طموحِ الشعرِ حتَّى/وأعمقُ من مجازاتي ووصفي/وحسبي منكِ جرحٌ ليس يبلى/وما أقسى الجروحَ بغير نزفِ/وما أبقتْ ليَ الأعذارُ بابا/ولا المرآةُ أبقتْ فيكِ طيفي]. وإذا كانت محاولات (بيار بورديو) في تفكيك الخطاب السلطوي الفلسفي، من خلال الأدوات الرمزية التي تؤدي وظيفتها على نحو ديناميكي داخل بوتقة تُصهَر فيها عناصر الإبداع، فتعطي صفة المشروعية لضمان هيمنة نسق على آخر؛ فإننا لاحظانا أنّ أسامة الخولي الذي درس الهندسة علما وتطبيقًا يوظّف هذه الميزة باحترافية في تشكيل لغته الشعرية مفتونا بسلوك الكلمة، ويلهث وراء حركة الدوال داخل النص، بل يزيد عليها بممارسة تقنية التلاعب اللغوي بالكلمات، لقناعته أنّ اللغة ليست هي الشعر، بل أداة يمكن توظيفها في ممارسة فعل التسلط الفلسفي. على نحو ما نقرأ في نصه: (إلى مسافرة في دمي)؛ [اغمسي ريشتك في وريدي؛ واكتبيني قصةً أوقصيدةً وامنحي صوتك أجازة ليتكأ الكلام على وسادة قلبي وتعزف الموسيقى لحن محبتنا.. فيسيل الحبر خطوطا في سماء اللوحة؛ ليرسم بالكلمات قصائد/ قصصا تشكيلية.. ربما عودتك أيتها القصيدة البريئة تُغيّر وجه العالم فترقص النجوم وتغني البراءة في عيون أطفالنا ويوشوش البحر أمواجه وتصطف الأقلام على أبواب المطابع لتعيد إلى اللغة براءتها وترتق غشاء بكارتها.. فليس مجديا ياحبيبتي أن نتسوق قصيدة إلكترونية من محلات هارودز ليغني الريبوت لنا أغنية عيد الميلاد..] |
المشـاهدات 32 تاريخ الإضافـة 02/02/2025 رقم المحتوى 58698 |