رواية" موت صغير " للروائي السعودي (محمد حسن علوان)

سيرة" ابن عربي" بين الواقع و المتخيل

حمدي العطار

روايات السيرة الذاتية او السيرة الروائية –غالبا- ما تفتقر الى الحبكة بسبب سيطرت الواقع على الخيال لدى صاحب السيرة ! لكننا امام رواية يتنافس فيها الواقع مع المتخيل ، وهي سيرة ذاتية او رواية سيرية لحياة شخصية من التاريخ الاسلامي اشكالية ومثيرة للجدل ،فهو لا يحسب على الفلاسفة بل تفوق عليهم ولا يعد من الفقهاء ! وهذا كان الرد المناسب على سؤال الخليفة الذي اتخذ من الاندلس مقرا له في اشبيلية بدلا من الذهاب الى المغرب! ساله الخليفة قل لي يا محي" ابن عربي :"كيف تفرق بينهم  / ؟ يقصد بين الفلاسفة والفقهاء والمتصوفة- اجابه ابن عربي يا امير المؤمنين :

- الفقيه يقرأ فيقول بما فهمه من مقروئه، والفيلسوف يفكر فيقول بما استنتجه من استدلاله. أما الصوفي فيخلو إلى ربه فيقول بما كشفه الله له"ص168 .

*اسرار الصوفية

اول ما يتبادر الى ذهني انني عندما اقرأ رواية تقع في 591 صفحة من القطع الكبير ، وتحتوي على سيرة حياة ابن عربي وهو جنين في بطن امه حتى وفاته فأنني سوف اعرف اسرار الصوفية بالتأكيد وهو ابن عربي من اشهر المتصوفة ! لكنني لم اجد هذه الاسرار بل سحرني الروائي بإسلوبه الجميل الذي استطاع محاكاة اللغة في القرون الوسطى ، اسلوب متين متماسك يعبر عن تاريخ قديم بنص مكتوب حديثا ليس سهلا والقارئ لا يستغرب الاسلوب او يمل منه لأنه ينتمي الى القديم بل هو اسلوب روائي قريب من الحداثة ويتضمن محطات جغرافية مهمة جدا سافر اليها ابن عربي ووصف الحياة الاجتماعية والطبيعة والسلوكيات والملابس والمطابخ والنساء والثقافة والديانات فهو يقترب من (ادب الرحلات)  ومع ذلك تفتقد السردية الى الاسرار الحميمة للصوفية!

*الحوار الذكي

وعندما لا يفهم الخليفة ما هي المتصوفة كما نحن نريد ان يفسر لنا ابن عربي المتصوفة كما يفهمها ! لكنه يضعنا في متاهة التفسير الغامض حتى الخليفة يقول له "حسنا ، لا تدخلني في هذه المتاهات . قل لي بوضوح : أيهم أنفع للخليفة؟"ص168

استخدم الروائي الحوار الذكي وتعدد الافكار والمواقف ، والجدل والدرس الفلسفي، حجة مقابل حجة، عندما يلوم الخليفة ابن عربي لأنه ينحاز للمتصوفة :أنت تتعصب للمتصوفة لأنك منهم؟

-يا أمير المؤمنين، لقد فقهت من الدين فوق فقه الفقهاء، ومن الفلسفة فوق فلسفة الفلاسفة، ولو شئت أن أكون فقيها كابن حزم لكنت، أو فيلسوفا مثل ابن طفيل لكنت، أو كلاهما معا كابن رشد لكنت، لكن الله اختار لي أن أكون من أهل الطريق فكنت لأنه قال لي كن./ يرد عليه الخليفة: وأنا أقول لمدك كن في مجلسي هذا لا تبارحه، وارحل معنا إلى مراكش./ خفق قلبي بشدة وأنا أجيبه كأنه بشرني: - سمعا وطاعة"ص168

*عتبة العنوان

العنوان مثير (موت صغير) فهل يوجد موت كبير؟ نعم الموت العادي هو الموت الكبير الفقدان النهائي اما الموت الصغير هو الفقدان للوعي المؤقت وعلى ضوء تفسير ابن عربي هو (الحب) لذلك جاء التصدير في اول الرواية "الهي ما أحببتك وحدي لكن احببتك وحدك" ابن عربي!

ثم يأتي التكليف بكتابة هذه السيرة في الاستهلال والمكان هو اذربيجان ، وجعل الرواي ابن عربي وهو ميت في ذلك الزمان يكتب سيرته لنا الان بقلم ومخيلة محمد حسن علوان "أويت إلى كوخي وأشعلت المصباح وجلست أكتب ما لا يملك كتابته غيري ولا يعرف شأنه مثلي: سيرة الولي الذي اختاره  الله لما اختاره وأمره بما أمره. كتبتها نحت ضوء المصباح الذي لا يكذب. حتى اذا اختلف الناس في أمري وجدوا ما يحتجون به في شأني .بسم الله الرحمن الرحيم. قال السالك محي الدين بن عربي..."ص10