الأربعاء 2025/3/12 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
غائم جزئيا
بغداد 22.95 مئويـة
نيوز بار
قصة عنفوان الصبر
قصة عنفوان الصبر
كتاب الدستور
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب حسن العكيلي
النـص :

بعد ان انهكت جسده مصائب الايام المتواترة والتي تركته بين الرفوف كأي كتاب قديم يغطيه التراب وتدثره الاوجاع والخسارات متكوم فوق رفوف الذكرى كطير انهكه تعب السنين يستنشق ماتبقى من عبق الماضي .. فعجلة السنين التي لاتعرف الانتظار لاتتوقف عن حركتها الطبيعية كنواعير راوة التي ضلت تدور بفعل انسيابية ماء الفرات منذ مئات الاعوام فالحاج راشد الذي مضى على احالته على التقاعد سنين عديدة داست على صدره حجارة الشواطئ الفوضوية الحركة  واستباحت محياه بالخطوط والمنحنيات وبالخربشات المبهمة الشكل بعد ان تكالبت عليه فواجع الدنيا .. انحناء ظهره الذي تقوس بشكل يثير الانتباه.. وضعف حاد في السمع ..وخسارته لاحدى عينيه جعله أسير العربة المتحركة وذكرياته التي لايستطيع التحرر منها حبائل من الجوت شدت على يديه ورجليه ليبقى اسير البيت السجن الذي كتب عليه ان يبقى حبيس حيطانه الصماء بقية حياته فصور زوجته التي تملأ الحائط وملابسها المحفوظة داخل صندقجة عرسها وبقايا من عطرها الذي يصر على البقاء ويقاوم الفناء ضلت سلوته الوحيدة حينما تداهمه موجات الاحزان  الحاج راشد الذي تجاوز عمره الخامسة والسبعين عاما لايمتلك سوى ولد واحد ولطالما دعى الله في صلاته مرارا وتكرارا ان يحرسه بعينه التي لا تنام، وان يكنفه بكنفه الذي لا يرام، ويحفظه بعزه الذي لا يضام،  فقد كرس حميد ذلك الولد الصالح البار  لوالده حياته في خدمة والده بعد ان زرع الله في قلبه  الشفقة والرحمة اتجاه والده ودعاء الوالد مستجاب.. ذات يوم دعا ابنه الى الجلوس بقربه وطلب منه ان يصغي اليه كل الاصغاء وقال له - بني مادامت صحتي جيدة ولله الحمد فخذ ماجمعته من مال كنت قد جمعته لك لدفع تكاليف دفني عند موتي واجراء مراسيم الفاتحة التي تتطلب اموالا كثيرة . فانا احبك ياولدي ولا اريدك ان تخسر شيئا من جيبك عند مماتي قاطعه ابنه قائلا... اطال الله في عمرك والدي العزيز.. يومي قبل يومك واتوسل اليك ان لاتعيد مثل هذا الكلام فامنيتي هي ان تكون حاضرا وموجودا في حفل زواجي  رد عليه والده – ابني نفذ ماطلبته منك. خذ كل مالدي من مال واذهب به لمكتب بيع الاراضي واشتري به قطعة ارض وسجلها بأسمك .. فاسعار الاراضي في ارتفاع مستمر وافق الابن بفكرة والده وعلى مضض وتوجه عصرا لتنفيذ ما امره والده – وبعد مرور شهر استلم السند الخاص بالقطعة وسلمه الى والده ليضعه في خزانته جنبا الى جنب مع المستمسكات الخاصة بهما   في صباح اليوم التالي كان حميد على موعد مع احد اصدقاءه الذي لم يره منذ فترة طويلة وطلب منه الحضور فورا للالتقاء به في الحديقة العامة . كانت السيارات تسير بسرعة مهولة. وكأنها في سباق محموم بغية الوصول الى خط النهاية للحصول على الجائزة الكبرى .توقف حميد لينتظر فرصة تمكنه من العبور بسلام .شرد فكره بعيدا  وراح يطرق ابواب مواضيع شتى وافكار ضبابية اقحمته بمتاهات لامهرب منها والده المقعد .. امه التي ماتت بالسرطان.. بقاءه من دون زواج احس ان شخصا ما يدفعه دفعا لعبور الشارع ومن دون توجس او خوف استجاب لذلك الامر وبينما هو يعبر صدمته سيارة مسرعة رمته الى الجانب الاخر من الشارع .عندما سمع الاب المفجوع بموت ابنه الوحيد سقط من عربته وراح يبكي بشكل هستيري وتمنى الموت ليلحق بولده ليدفنا جنب الى جنب . لكن ايمانه الصلب عزز من قوة قلبه وحاول بكل ما اوتي من صبر ان يتجاوز الماساة ويعبر المحنة ليعود الى البداية ويرضى بالمقسوم ...

 

المشـاهدات 27   تاريخ الإضافـة 11/03/2025   رقم المحتوى 60403
أضف تقييـم