الخميس 2025/3/13 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 20.95 مئويـة
نيوز بار
اتفاق قسد وهيئة تحرير الشام: تحالف تكتيكي أم إعادة تشكيل للصراع؟
اتفاق قسد وهيئة تحرير الشام: تحالف تكتيكي أم إعادة تشكيل للصراع؟
كتاب الدستور
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب ناجي الغزي
النـص :

في ظل التحولات المتسارعة التي يشهدها المشهد السوري، جاء الاتفاق بين قوات سوريا الديمقراطية (قسد) وهيئة تحرير الشام ليشكل نقطة تحول غير مسبوقة في ديناميكيات الصراع القائم. هذا الاتفاق، الذي ظل مرفوضاً لسنوات من قبل الجولاني وداعميه في تركيا وقطر، يعكس تغيراً جوهرياً في معادلات القوة، خاصة فيما يتعلق بمستقبل الأكراد ودورهم داخل الدولة السورية.لم يأتِ الاتفاق في سياق عادي، بل جاء عقب المجازر الطائفية التي شهدتها مناطق اللاذقية وطرطوس في الساحل السوري، حيث استُهدفت الطائفة العلوية بشكل وحشي، ما شكّل نقطة انعطاف استُغلت بذكاء من قبل الولايات المتحدة وحلفائها. فمع تصاعد الضغوط الدولية، وجد الجولاني نفسه في موقف لا يحسد عليه، بين تهديدات العقوبات أو الضربات العسكرية، وبين القبول باتفاق يفرض عليه تنازلات غير مسبوقة. القبول بهذه الشروط لا يبدو خياراً استراتيجياً بقدر ما هو محاولة للبقاء والمناورة حتى إشعار آخر.

 

انعكاسات الاتفاق على المشهد الأمني

 

أحد أكثر الجوانب المثيرة للقلق في هذا الاتفاق هو السماح بانتشار عناصر هيئة تحرير الشام في مناطق استراتيجية تحت سيطرة قسد، بما في ذلك مناطق تحتوي على سجون رئيسية مثل سجن غويران وسجن الحسكة، حيث يُحتجز قرابة 10 آلاف عنصر من داعش. هذه الخطوة تفتح الباب أمام سيناريوهات بالغة الخطورة، أبرزها احتمال إعادة تنشيط خلايا التنظيم الإرهابي، سواء عبر عمليات فرار منظمة، أو من خلال تسهيلات ضمنية لإعادة إدماجهم في مشهد الصراع.إن انتشار هيئة تحرير الشام في هذه المناطق لا يمنحها نفوذاً عسكرياً فحسب، بل يضع بين يديها ورقة ضغط شديدة الحساسية، تتمثل في التحكم بمصير آلاف المعتقلين المصنفين كخطر أمني عالمي. فهل سيكون هذا التواجد مقدمة لإطلاق سراح هؤلاء العناصر وإعادة توظيفهم في الصراعات الإقليمية؟ أم أن الأمر مجرد وسيلة لابتزاز القوى الدولية والإقليمية من خلال التلويح بورقة الإرهاب؟

 

تداخل المصالح وإعادة تشكيل التحالفات

 

لطالما اتسمت العلاقة بين قسد وهيئة تحرير الشام بالعداء، حيث خاض الطرفان مواجهات عسكرية مباشرة، وامتلك كل منهما تحالفاته الإقليمية والدولية المختلفة. إلا أن الظروف المتغيرة فرضت على الطرفين البحث عن تفاهمات قد تحقق مكاسب مرحلية، دون أن تعني بالضرورة نهاية الصراع بينهما. فوفقاً لبنود الاتفاق، ستنتشر عناصر هيئة تحرير الشام في مناطق خاضعة لسيطرة قسد، بما يشمل المؤسسات المدنية والعسكرية، مما يمنح الهيئة نفوذاً لم يكن لها سابقاً في هذه المناطق.في المقابل، تسعى قسد من خلال هذا الاتفاق إلى تحقيق مكاسب استراتيجية، أبرزها حماية وجودها في مواجهة التهديدات التركية المتزايدة. فبإدخال هيئة تحرير الشام في المعادلة، تصبح أنقرة أمام واقع أكثر تعقيداً، حيث لم يعد بإمكانها استخدام التنظيم كأداة لمحاربة قسد، بل قد تجد نفسها مضطرة للتعامل مع واقع جديد يحمل تهديدات من نوع آخر.

 

هل نحن أمام إعادة تدوير للإرهاب؟

 

التاريخ يعيد نفسه، ولكن بأقنعة مختلفة. فكما جرى استخدام الجماعات المتطرفة في مراحل سابقة لتحقيق أهداف سياسية، يبدو أن الأمر يتكرر اليوم ولكن بآليات أكثر تعقيداً. المؤشرات الحالية تدل على أن هناك مساعي حثيثة لتجميع هذه التنظيمات وتوظيفها في صراعات قادمة، سواء داخل سوريا أو في دول الجوار، وعلى رأسها العراق.فمن غير المستبعد أن نشهد في المستقبل القريب عمليات إعادة تموضع لهذه الجماعات، تحت مسميات جديدة، تتيح لها الاستمرار في لعب دورها كأداة في الصراعات الإقليمية والدولية. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل نحن أمام موجة جديدة من الفوضى الأمنية، يتم فيها تدوير الإرهاب وفقاً للمتغيرات السياسية؟ أم أن هذه التحركات ستؤدي في النهاية إلى صراع داخلي جديد، تكون تكلفته أكبر مما يتوقعه الجميع؟

 

التداعيات السياسية والعسكرية للاتفاق

 

إحدى النقاط الأكثر إثارة في الاتفاق هي مسألة إدماج قوات قسد ضمن الجيش السوري دون حلها، وهو ما يعني أن هذه القوات ستظل كيانًا مستقلًا داخل الجيش، هذا القرار، الذي يعكس انتصارًا سياسيًا للأكراد، يحمل في طياته تداعيات بعيدة المدى على بنية الجيش السوري وتركيبته الأيديولوجية.فالأكراد، الذين يتبنون فكرًا علمانيًا غير عربي، يدخلون الآن ضمن تشكيلات الجيش السوري، وهو ما يمثل تهديدًا جوهريًا للتيارات الجهادية التي لطالما أصرت على الطابع الإسلامي السني للدولة والجيش. وإذا ما تم تثبيت هذا الوضع، فإن تأثيره سيمتد إلى صياغة الدستور السوري القادم، حيث من المرجح أن يتم استبعاد أي إشارات إلى الهوية الإسلامية للدولة، وهو أمر سيواجه رفضًا واسعًا من الفصائل المتشددة.

 

المخاوف الكردية والمطالب المستمرة

 

بالرغم من المكاسب التي قد يجنيها الأكراد من هذا الاتفاق، إلا أن مخاوفهم لا تزال قائمة، خاصة فيما يتعلق بسياسات "التعريب" التي انتهجها البعث سابقاً، ومحاولات الإقصاء التي تعرضوا لها لعقود. ولذلك، فإن هذا الاتفاق، وإن كان خطوة مهمة، إلا أنه لا يمثل نهاية الطريق بالنسبة لهم.المطالب الكردية ستظل قائمة، بدءاً من الاعتراف باللغة الكردية في النظام التعليمي، مروراً بتصحيح أوضاع آلاف الأكراد الذين جُرّدوا من جنسيتهم في إحصاء الستينيات، وصولاً إلى ضمان تمثيلهم السياسي في أي ترتيبات مستقبلية لسوريا. هذه القضايا ستظل مصدراً محتملاً للتوتر، وقد تدفع بالأكراد إلى اتخاذ خطوات أكثر جرأة في المستقبل، إذا ما شعروا بأن الاتفاق لم يحقق طموحاتهم كاملة.

 

ما وراء الاتفاق: أجندات غير معلنة

 

يبدو واضحاً أن هذا الاتفاق ليس مجرد تفاهم مرحلي، بل هو جزء من ترتيبات أوسع تهدف إلى إعادة تشكيل موازين القوى في شمال سوريا. فمنح هيئة تحرير الشام حرية التحرك في مناطق قسد قد يكون مقدمة لإعادة توظيفها في أدوار جديدة، سواء في الداخل السوري أو في ساحات صراع أخرى.وعلى الجانب الآخر، يبقى مصير آلاف المعتقلين في سجون قسد معلقاً، وسط تساؤلات متزايدة حول ما إذا كان هناك مخطط لإطلاق سراحهم بعفو عام، يربك المشهد السياسي والامني، أو استخدامهم كورقة ضغط لتحقيق مكاسب سياسية. فمع انتشار هيئة تحرير الشام في هذه المناطق، يصبح التحكم بمصير هؤلاء المعتقلين أمراً في غاية الخطورة، وقد نشهد في المستقبل تحولات غير متوقعة في ملف الإرهاب داخل سوريا.

المشـاهدات 31   تاريخ الإضافـة 13/03/2025   رقم المحتوى 60447
أضف تقييـم