الثلاثاء 2025/7/1 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 39.32 مئويـة
نيوز بار
فنجان المودة
فنجان المودة
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

 

 

                                                                                    

رجاء الجابري

"في ذلك الصباح الغائم فاجئني ساعي البريد وهو يضع سجل تسلم الكتب الرسمية أمامي ، يسلمها لي كوني سكرتيرة المدير العام . توقفت عيناي عند كتاب الاحالة على التقاعد للمدير العام             السيد عبد الرحمن ، عندها خيّم الحزن على كياني وتأكد لي انه اليوم الأخير له في "الدائرة" ؛ انا كنتُ أعمل معه منذ عشر سنوات ، لقد حزنتُ لانتهاء حياته المهنية ؛ هو رئيس دائرتي ؛ انسان مستقيم ، بأخلاقه الأبوية العالية كنتُ أرى نفسي واحدة من بناته ، ولم تخبْ وصية أبي له قبل تقاعده؛ إذ قال له : زينب أمانتي عندك ؛ فأشر على عينيه كأنه يقول : ساحفظها بينهما" ..            هكذا نقلت لي خبر تقاعد مديرنا العام عندما وضعتُ فنجان القهوة أمامها.. قائلا : تفضلي فنجان المودة يا زينب.

قالت : انا سكرتيرته منذ عشر سنوات لم ألحظ ولا مرة اي هفوة عنده ، ولم أرَ أية حركة تحرش منه مطلقاً. قلت لها : هو انسان نظيف يرانا جميعا أبناءه.

***

الله .. الله .. ما أحنُّ قلبكِ يا زينب! .. عبر باب المكتب شبه المفتوح دخلتْ لتودعه ودموعها تنساب على خديها .. أسمعها تقول : استاذ هذا آخر يوم نراك ، اسمعه يقول (نعم) بحزن عميق . يكررها : نعم يازينب. تقول : ألا تنتظر شرب فنجانكَ الأخير من القهوة فيرد : لا داعي لذلك ، لقد أدركني الوقت ، بالكاد يسمح لي بالمرور على الموظفين لأودعهم ، أوصيكِ ؛ إياكِ ان تهملي  اكمال دراستك الجامعية.. أحسه يبتسم قا ئلاً : أقطع رقبتكِ ان قطعتِ دراستكِ. مثلما كُنّا نسمعه دائما ؛ فهي جملته الشهيرة لكل موظف او موظفة يرغب باكمال الدراسة.

أراه يصافحها ويشدُّ على يديها كأنها فوجئت به يطوقها بذراعيه برفق ويقبل جبينها. ماذا ارى .. كأنها سكرى تستكين بين ذراعيه ، كمن يحس بدفء حبيب ؛ تحضنه ويحضنها ، ها هي تمضي دقيقتان وما زالا متحاضنين .. يبدو ان تلك مشاعر أبعد من الأبوة والصداقة .. ها هي تقبل جبينه وخديه ، بل تضع خده بين يدها دامعة العينين . ها هو يحني رأسه ، يقبلها من الجبين والخدين ويهمس بكلام لم تلتقطه أُذناي . دخلتُ عليهما بتلك اللحظة بشكل مفاجئ ، رأيتُ شفاههما تكادا ان تتماسسا .. قلتُ في نفسي " ما هذا يا سيدي المدير العام". قلت بلهجة ذات مغزى القهوه .               يا استاذ!. قال لي : شكراً لا وقت عندي ؛ وخرج من مكتبه.

***

راح تفكيري بعيداً .." قبلاتهما محمومة وفريدة .. غريب هذا الذي أراه للمرة الأولى بينهما..                 هل الاستاذ عبد الرحمن يحبها كعشيقة سرية؟ هل وجد انه سيفقدها فعبر عن أسفه بهذه القبل؟

أأن فراقها في يومه الأخير يشكل مصيبة حقيقية لعشقه هذا؟ ..

لا يمكن ان تكون هذه القُبَلُ وهذا الاحتضان موقفاً بريئاً!

***

أطرقت مع نفسي "زينب" في مقام ابنتي اانها ابنة الحاج علي ؛ جاري ومن عيّنني معه في دائرته قبل تقاعده من وظيفة المشاور القانوني للدائرة ؛ كان استاذي في الوفاء والتفاني بالعمل . هل سأسكت على سلوك ابنته ، أم اكشف سلوكها ، ليعرف الجميع ان باطنها ليس كظاهرها؟.

***

لو تكلمتُ ستكون فضيحة وتُفسخ خطوبتها ، ولو سكتُ سأغش خطيبها صديق ولدي قاسم .                            زينب لم تترك مساعدة بناتي في الدراسة ولم تكن لها أي علاقة غير سوية ، حتى خطيبها صديق ولدي وسّط عليها ثُلث بنات الدائرة حتى قبلت به.

***

الاستاذ عبد الرحمن لطيف ، وسيم وبقوته ؛ يمكنه ان يتزوج من اي فتاة في عمر الثلاثين او الاربعين ، خاصة وان زوجته متوفية منذ عشر سنوات.. لكن أ لم يجد غير خطيبة صديق ولدي قاسم؟.

***

الاستاذ عبد الرحمن كان طوال عمره يساعدني .. مرة دفع لي إيجار ثلاثة أشهر ، ففك عني ضائقة السكن .. وتساهل بدوامي كي أرعَ عملي ببسطية شاي الرصيف .. كيف سأفضح سلوكه وهو سَتَرَ كُلَ عيوبي في التأخير والغياب ، وحتى غشي بنوعية القهوة والشاي؟

يا رب أعنّي .. انهما أحب انسانين الى قلبي!!.

***

كأن السيد عبد الرحمن قد أنهى طقوس الوداع .. ها هو يخرج .. ها هم ؛ موظفات الدائرة وموظفوها يقفون بشكل منتظم .. ها هو يصافحهم .. يقبل جبينهم وخدودهم جميعاً بحنو            أبوي .. يحضن النساء والرجال بمودة شديدة .. ها هو قد وصلني أخيراً قبلني بمودة فائقة ؛ همس باذني مبتسماً : ابنتي زينب أمانة أبيها لي وهي أمانتي لديكَ .. انت تحرص عليها مثل حرصكَ على أهل بيتكَ!!.

***

بعد مغادرة عبد الرحمن وجدتُ الرحمة في أن أجيء لزينب ، أحضنها ، أبكي بين يديها بحرقة قائلاً: اعذريني يا ابنتي ، ظننتُ بكِ سوءا لا يليقُ بكِ. ثم صنعت لها فنجان المودة!.

المشـاهدات 534   تاريخ الإضافـة 31/05/2025   رقم المحتوى 63536
أضف تقييـم