
![]() |
لماذا غسان؟ |
![]() ![]() ![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
النـص :
في وطنٍ أنهكته الضوضاء، واختلت فيه بوصلات التقدير، يتقدَّم إلى الواجهة من يُتقن التمثيل، ويُقصى عنها من يتقن العمل. في هذا المناخ المربك، يمرّ اسم الدكتور غسان حميد عبد المجيد خفيفًا على الإعلام، عظيمًا في أثره، حاضرًا في عقول طلبته، وغائبًا –للأسف– عن مشهد القرار وصناعة الرؤية."لماذا غسان؟" ليس مجرد سؤال عن رجل، بل هو سؤال عن منظومة. لماذا يُستبعد الأكفاء؟ لماذا يُحجب الضوء عن الذين يضيئون العقول؟ لماذا لا تتقدم إلى المقدمة إلا الوجوه التي تجيد تسويق الفراغ، بينما يظلُّ أصحاب القيم الحقيقية يراقبون المشهد بصمت؟لقد التقيت الدكتور غسان ذات يوم، ولم يكن اللقاء عابرًا ولا عاديًا. كان يحمل هدوء العارف، واتزان العالِم، ورحابة المربي الذي لا يضيق بأسئلة طلابه، ولا يتعالى على أحد. كان يستمع وكأنه يتعلّم، ويتحدث وكأن كل كلمة مسؤولية. لا يغلق بابه، ولا يغلق قلبه. متواضعٌ في حضوره، عظيمٌ في أثره.وحين تحدث، شعرت أن الرجل لم تُعلمه الشهادات فقط، بل الحياة أيضًا.رأيت فيه يقينًا عميقًا، لا يتزعزع رغم هشاشة المرحلة. رأيت مربِّيًا لا يملّ، وعالِمًا لا يكلّ، وإنسانًا ينشر من حوله هالات السلام، وكأن وجوده دعوة صامتة لحياة أكثر احترامًا للعقل.لكن السؤال المؤلم يظل يطرق القلب والعقل معًا:لماذا غسان لا يتصدر؟ لماذا تُغلق المسارات أمام القامات؟ ولماذا لا تُصغِي السلطة التعليمية لمن قدّموا عمرهم لبناء الجامعة والمعرفة؟أليس في مثل هذه الشخصيات فرصة للنجاة من العبث؟ أليس فيهم إجابة حقيقية على أسئلة التدهور والتراجع؟حين ترى صور "القرار" اليوم، وتسمع ضجيج "المؤثرين" الجدد، تدرك كم نبتعد عن أصحاب الأثر الحقيقي.شاشات الهواتف تصدّر لنا كل ساعة شخصياتٍ لا تمتلك إلا صخبًا، وتُغيّب أولئك الذين يعرفون كيف تُصنع السياسات، وتُربّى العقول، وتُبنى المؤسسات.الدكتور غسان حميد عبد المجيد ليس مجرد أستاذ أو إداري، بل هو نموذج لما يجب أن يكون عليه رجل الدولة الأكاديمي: منضبط، مبدئي، مؤمن بدوره، وملتزم برسالته. شغل مناصب كبرى: عميدًا لكلية الهندسة في جامعة بغداد، ووكيلًا علميًا لوزارة التعليم العالي، ومديرًا عامًا للبحث والتطوير... لكنه لم يتورّم بهذه الألقاب، بل كان يحملها كما يحمل المربي عصاه: ليست للزهو، بل للهداية.ولعل ما يؤلم أكثر، أنَّ في العراق العشرات، بل المئات، من أمثال الدكتور غسان. طاقات وعقول تفيض حكمة وخبرة، لكنها بعيدة عن الضوء، لأن الضوء أُسِر لصالح الدعاية لا القيمة.هذا المقال ليس مجرّد وفاء لرجلٍ يستحق، بل هو جرسٌ في زمن الصمم.دعوة لإعادة الاعتبار لمن صنعوا الأمل داخل القاعات، لا على منصات العرض.نداءٌ لتصحيح البوصلة، والبحث عن غسان في كل زاوية جامعة، ومختبر، ومدرسة... قبل أن تغادرنا هذه القامات بصمت، كما عاشت بصمت.لماذا غسان؟لأنه باختصار... النموذج الذي نحتاجه، لا الذي نستهلكه. |
المشـاهدات 276 تاريخ الإضافـة 30/07/2025 رقم المحتوى 65264 |