الإثنين 2025/11/3 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 27.95 مئويـة
نيوز بار
قصة قصيرة (( ؟! .. ؟! ))
قصة قصيرة (( ؟! .. ؟! ))
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

 

مؤيد عليوي

كنتُ أنظف وجه الأرض الترابي أمام  باب البيت الصغير، بينما كانت الرياح تغازل أكياس النايلون وأوراق الدفاتر الممزقة من المدرسة القريبة،  لتجلبها الى الساحة الواسعة أمام باب بيوت الجيران التي تسوّر الساحة المتروكة مكبّاً للنفايات اهملتها البلدية كون ملكيتها تعود الى  وزارة الصناعة،  بينما كنتُ اشجع نفسي ويداي القويتين أن أزرع بعض الاشجار الصغيرة فيها، فلم يقتصر تنظيفي على باب بيتي مما تحاول الرياح جمعه برقصها كالمغزل، لم تكن ساحة الحي القديم الجديد ببعيد عن مجرى الجدول الذي يشطر المدينة الى نصفين، مارا ببيوت طينية وأخرى من الطابوق الفاخر المستورد من اقصى العراق إلى أقصاها حيث يجتمع نهر الفرات بحبيبته دجلة في منطقتنا لم تكن منطقة حقيقة في الواقع بل هي كذلك في مخيلتي التي تعشق انهار العراق، كنت دائماً اختيل أنها منطقة لقاء الفرات الفحل بدجلة السومرية ، على بعد مسافة من نبضة عشق أولى بين ادم وحواء والتي يأتي منها جدول مدينتنا المتروكة بلا خدمات منذ عقود مضت .

لم يأتي ذلك الرجل ذو اللحية الطويلة البيضاء ، يساعده في شيء ، لم يقل كلمة واحدة تشدّ من أزره وهو ينظف يومياً ساحة بيوت جيرانه ، وكلما وجده يحاول زراعة شجرة ويحيطها ببعض العيدان من أجل حمايتها من عبث الأطفال والحيوانات العابرة التي تبحث عن قوتها اليومي ،كان الرجل ذو الذقن يقول له : ( ان ما تفعله حرام ، ستكون هذه عملية اغتصاب للأرض ) ؟! ليجيبه هو

-       لست اريد الاستحواذ على هذه الارض بل تنظيفها وزراعتها افضل من أن تكون مكبا للنفايات

- لكنك ستكون مالكا لها بمرور الزمن بحكم الاستصلاح الزراعي .

- يا اخي افهم مني هذه ليست أرضا زراعية، وكيف ستكون ملكا لي وهي ساحة فارغة على امل تكون حديقة عامة تسوّرها البيوت ؟!

تركه الرجل  ذو اللحية وهو متقنع بما في رأسه يخطو خطواته غير ابهٍ بما تحثه قدامه من تراب وغبار ،ترك  جاره الذي يأتي من عمله من وظيفته ، يصلي ويتناول قسطا من الراحة ، ثم يأخذ على عاتقه تنظيف باب بيته ومحيطها وابواب جيرانه ويحاول أن يزرع شجرة بدلا عن النفايات المتراكمة ،  لكن ذا الذقن (ابو دشداشة) كما يلقبه اهل الحي السكني،  لم يترك الموضوع ولم يترك رأيه حتى جاء رجل دين من مدينة النجف الاشرف على رأسه عمامة سوداء ووجه ابيض يميل الى سمرة حمراء في إحدى ليالي محرم الحرام، فسأله عمّا يدور في خلده أجابه رجل الدين : (ما يفعله الموظف عمل في نظافة أمام بيوتكم ويحاول زراعة الاشجار ،عمل يستحق الثناء والشكر)

خرج أبو دشداشة من المجلس، مبرطما ، وداخله يغلي  من رجل الدين النجفي : (لقد فسد الدين أنه آخر الزمان اذا فسد رجال الدين ) ؟!

لم يكن الموظف يعلم بشيء عما يدوّر خلف ظهره ، كان مستمرا في عمله بنظافة ساحة الحي القديم بحاله من مدن أخرى، الجديد ببناء بيوته من الطابوق الفاخر المستورد ، حاول الجميع ثنيه عن هذا العمل  ، لكنه يردد : ( النظافة من الايمان ) ، إذ كان اغلبهم يروّن ما في نفوسهم ويحكمون على بعضهم بما في داخلهم وتفكيرهم ظناً منهم أنه الدين، إذ ذهبوا أبعد مِن ذلك فقد كفروّا الرجل ذي اللحية الطويلة ، الذي لم يتوانَ هو الآخر عن ذم كل شيء عندهم مباشرة واحيانا يطول لسانه فيصف جيرانه بالنفاق، فحكى أحد جيران الموظف ،عمّا دار بينه وبين صاحب الذقن الطويل بعد وليمة عرس ريفية كبيرة قريبة من مدينتهم الصغيرة :

 أن ذا اللحية وصف اهل ذلك البيت الريفي وفرحهم بالزواج، وصفهم بالنفاق والسبب انهم جاءوا بطبل وغناء إعلانا للزواج والفرح ، فأجابه صاحبه الحكاء الذي كان معه في تلك الوليمة ،وهما عائدين مشيا بطريق ريفي مع جدول الماء تحت ضوء القمر من شهر ربيع الاول ، أجابه :  كيف تقول هذا عن اناس الآن اكلتَ طعامهم كيف تقول هذا وهناك مساحة كبيرة من رحمة رب العالمين في هذا الموضوع ؟! ، لم يعتذر ذو اللحية عن قوله أو يستغفر ربه ، بل اكتفى بقوله : ( صحيح هناك الآراء المختلفة من جميع علماء الدين المسلمين في هذا ) .

كان جدول الماء يناسب بضحكات الصبايا واهلهن العائدات من حفلة الزواج الريفي في الجانب الثاني من جدول الماء العذب، على هدوء ليلي مقمر وسعفات النخيل على جانبيه تزقزق مثل العصافير بهدوء نسمة طيبة، كانا يسمعان صوت النسوة والضحكات وهما يسيران في الجانب الاخرى منهن حتى وصل الرجلين الى المدينة وافترقا عند مدخل ساحة كبرت شجراتها قليلا وهي نظيفة بعد مرور سنتين من عمل الموظف الذي ساعده بعض الجيران من اجل نظافة ساحتهم ، إلا أن صوت مولدة الكهرباء الكبيرة ودخانها يتعالى كأنه مدخنة معمل الطابوق، أخذ يشكل سحبا كبيرة تتصاعد منها تتقاطع مع شبكة كبيرة من الأسلاك  الكهربائية المتشابكة فوق المولدة والتي تتدلى كثيرا، ذهب الرجل الى جاره الموظف الذي يعمل على تنظيف الساحة من النفايات وجعلها خضراء بالأشجار والورد، طرق الباب..

خرج الموظف من باب داره مرتديا بيجامته وهو يحتضن كتابا كان يقرأ فيه ، صافح جاره ودعاه للدخول ، شكره الرجل وقال عند باب الدار  :

-       إني معك ومع مَن يساعدك في تنظيف الساحة وزراعتها، منذ الغد في تنظيف الساحة وزراعة الاشجار وارجو أن تبرئ ذمتي عما قلتُ أو ظننتُ في حقك .

-       مبرئ الذمة أنت ووالديك ، وعلى الرحب والسعة في تنظيف ما بقي من نفايات فالنظافة لنا جميعا

-       يا جاري العزيز لم تكن هذه المدينة الصغيرة على جانبي الجدول الصغير تختلف عن غيرها في وجود عادات غير انسانية بذريعة ثقافات متطرفة لا علاقة لها بالدين بل أوهام والعياذ بالله ، كادت تهدم قيم السلام بين الناس بسبب النميمة والكذب والافتراء على الآخر دون رادع من أخلاق أو واعز من دين قويم ، اذ يلقون التحية والسلام فيما بينهم وفي دواخلهم الغل والحقد حتى بعض الموظفين والمثقفين وأرباب المجالس الادبية على قلتها ، والاكثر من ذلك تعلقهم بوهم أو أوهام في داخل كل شخصية منهم مثلما  كان يعتقد الرجل ذو اللحية ، الذي كان يظن أنه على حق في قضية النظافة وزراعة الاشجار حتى عندما كلمه السيد القادم من مدينة النجف الاشرف ، وبعد قراءة التعزية الحسينية قبل سنة ، وسؤاله  أمام الجميع من خلف ظهري ودون أن انتبه كما أخبرني جارنا  أبو محمد بعد ذلك تعرفه الذي يساعدني في عمل النظافة منذ أيام، وقد أجابه السيد أن النظافة والعمل على النظافة وزراعة الاشجار عمل محمود ويستحق الثناء، لم يقتنع وهي قضية سهلة وبسيطة هناك ثقافات للكراهية متنوعة ،احدهم يضع نفسه مكان الله فيكون هو الشاهد والحاكم والجلاد وهو مَن يُدخلُ الناسَ  الجنة؟! وهو مَن يخرج الناس من النار ؟! ، فلا تبتئس ياجاري العزيز علينا مواصلة العمل غدا .. ثم هل مثل هذه المباني الفكرية والثقافية والأحقاد من كل مشرب فكري  تبني بلدا وتدير دولة حديثة في زمن صار عالم  الإلكترونيات لا يحتاج الى خيرة الفتاح فال ؟!

المشـاهدات 130   تاريخ الإضافـة 02/11/2025   رقم المحتوى 67906
أضف تقييـم