السبت 2025/11/8 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 16.95 مئويـة
نيوز بار
دولة تنهض من معناها
دولة تنهض من معناها
كتاب الدستور
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب كتب رياض الفرطوسي
النـص :

 

 

 

 

في تاريخ الأمم، ثمة مراحل لا تُقاس بعدد المشاريع، بل بنوع الوعي الذي تخلقه القيادة. العراق اليوم يعيش تلك المرحلة التي يعاد فيها بناء الدولة من معناها، لا من هياكلها فقط. الإصلاح لم يعد فكرة تُرفع في بيانات رسمية، بل تحوّل إلى حركةٍ هادئة تُعيد تعريف العلاقة بين السلطة والمجتمع، بين القرار والسيادة، بين الدولة ومواطنيها.

 

ليس الإصلاح في جوهره مواجهةً مع أحد، بل تصالحٌ مع فكرة الدولة نفسها. وما يحدث الآن في العراق هو محاولة جادة لتحويل الإدارة إلى مشروع وطني، بعد أن كانت مساحةً لتقاسم النفوذ. في هذا المسار، تكتسب السيادة معناها الحقيقي: لا صداماً مع الخارج، بل استقلالاً في القرار، وثقةً بالذات الوطنية التي أنهكها الارتهان والشك.

 

من يراقب المشهد يلحظ انتقالاً واضحاً من "خطاب القوة" إلى "قوة الخطاب"، من ضجيج الصراع إلى منطق الفعل. فالدولة التي كانت موضوعاً للخلاف، صارت تدريجياً طرفاً فاعلاً يُستعاد حوله الإجماع. هذا التحول لم يأتِ بالعنفوان، بل بالثقة الهادئة التي تبني ولا تَستعرض، وتُصلح من الداخل دون أن تحتاج إلى معارك جانبية.

 

الانتخابات المقبلة، في 11 تشرين الثاني، لن تكون حدثاً سياسياً فقط، بل محطةً فاصلة في اختبار هذا التحول. فالمزاج الشعبي بدأ يميل إلى الواقعية المسؤولة، إلى من يقيس وعوده بمقدار ما أنجز، لا بمقدار ما وعد. الإصلاحي الحقيقي ليس من يرفع لافتة التغيير، بل من يجعل الدولة قادرة على الفعل — ذلك الفعل الذي يرمم الثقة بين المواطن وصندوق الاقتراع.

 

لقد أدرك العراقيون، بعد ست دورات انتخابية، أن التغيير لا يأتي بيد الخارج، ولا بولاءاتٍ عابرة، بل حين يتكامل وعي المواطن مع إرادة الدولة. من هنا يصبح الذهاب إلى الانتخابات فعلاً سيادياً لا إجراءً روتينياً، وموقفاً من أجل الوطن لا من أجل أحد.

 

الذين يراهنون على اليأس ينسون أن العراق حين يقرر، يفعل. هو الذي تفاوض مع أقوى قوةٍ في العالم واستعاد قراره بخارطة طريقٍ رسمتها الدماء العراقية قبل المفاوضات. واليوم، وهو يتهيأ لاختبارٍ جديد، يبدو أن التاريخ يمنحه فرصةً ثانية: أن يختار الإصلاح لا كترفٍ سياسي، بل كقدرٍ وطني.

 

فالدولة التي تنهض من معناها لا تعود كما كانت. تصمت قليلاً، ثم تتكلم أفعالها.

وما سيقوله العراقيون في تشرين الثاني، سيكون على الأرجح الجملة الأصدق منذ زمن: أن السيادة تبدأ حين نؤمن أن الإصلاح ممكن.

المشـاهدات 41   تاريخ الإضافـة 07/11/2025   رقم المحتوى 68069
أضف تقييـم