الثلاثاء 2025/11/11 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 15.95 مئويـة
نيوز بار
قراءة مسرحية لصراع الإنسان الداخلي ورغبته في كسر إيقاع الحياة الروتيني عرض ((طوق)) لفهد الدوسري ينفتح ليعانق الوجود برؤية سعودية
قراءة مسرحية لصراع الإنسان الداخلي ورغبته في كسر إيقاع الحياة الروتيني عرض ((طوق)) لفهد الدوسري ينفتح ليعانق الوجود برؤية سعودية
مسرح
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

 

 

 

د. رياض موسى سكران

 

تُعدّ مسرحية "طوق" للمخرج السعودي فهد الدوسري واحدة من أبرز التجارب المسرحية الحديثة، حيث تمزج بين الطابع الرمزي والواقعية النقدية في تناولها لقضايا الإنسان المعاصر، حيث تناقش فكرة الروتين والقيود التي تحاصر الفرد داخل بيئة العمل اليومية، لتكشف ببراعة عن الطوق النفسي والاجتماعي الذي يحدّ من حرية الإنسان ويمنعه من اكتشاف ذاته، برؤية مسرحية معاصرة، تؤكد على تفرد تجربة الدوسري.بتطلع الفنان المسرحي السعودي إلى آفاق جديدة، فإنه راح يبحث عن صياغات ومعايير جمالية محدثة، من أجل تكريس وعي جمالي لدى الجمهور، ودفعه لأن يتأمل ممكنات وموجّهات المعنى في العرض المسرحي الذي رسمت حركته خطوط متواشجة من تجارب وخبرات وقراءات ومشاهدات، تداخلت معها تقنيات محدثة ومتوافقة مع حركية العصر وروحيته.وراحت التجارب المسرحية تحاكي أعماق الذات الإنسانية وهواجسها، بين الراهن والآتي، ويتجلى فيها ذلك البوح الجميل، الذي شكل تضاريس خارطة المسرح السعودي الراهن عبر التجارب المسرحية الشبابية التي تفتح الأفق الجمالي للبوح والتعبير لتمنح المسرح في السعودية أفقا متجددا ومنفتحا على فضاءات المستقبل.هذه الرؤى والتجارب تقوم على خلق متواصل للمعنى، وتفتح الفضاء أمام تعددية القراءة والتأويل، فالتجربة المسرحية السعودية لم تكن تسعى إلى رصف للعناصر أو وصف للظواهر، وإنما هي عمليات تأسيس وابتكار متواصل، وهي محاكاة جوهرية نابضة لأشياء حية، تجعل معنى العرض ينفتح ليعانق الوجود، وينقل بعضا من كثافته.وهكذا تعددت الاتجاهات وتنوعت الأساليب وتباينت الرؤى التي شهدتها عروض مهرجان الرياض للمسرح في دورته الثانية، فقد فتح المهرجان مساحة واسعة للبوح والتعبير أمام المسرحيين السعوديين لكشف قدراتهم وأفكارهم ورؤاهم ومقترحاتهم وتصوراتهم، من خلال فرضياتهم المسرحية التي كشفت عن ممكناتهم وتصوراتهم التي أشرت على حضور فاعل للمسرح السعودي، حيث تنافست عروض المهرجان على تقديم الأفضل على مستوى التأليف والإخراج والتمثيل والتقنيات الفنية، التي كشفت عن مدى اجتهاد الفنان المسرحي السعودي في تقديم قراءته الجمالية التي تعكس اندفاعه ورغبته الجامحة لتقديم خطاب مسرحي يستجيب لتطلعاتهم وأمنياتهم في صناعة المشهد القادم للحياة.ومن بين عروض المهرجان التي حققت حضورا لدى المتلقي، عرض مسرحية “طوق” تأليف أحمد البن حمضة، وإخراج فهد الدوسري، الذي قدم على مسرح جامعة الأميرة نورة في الرياض، حيث بنا المؤلف ثيمة نصه التي تتمحور حول صراع الإنسان الداخلي ورغبته العارمة في كسر رتابة إيقاع الحياة الروتيني اليومي البطيء والمكرر، الذي يؤدي إلى الملل والسكون، وهي الفكرة التي طالما تصدى لها كتاب المسرح عبر نصوص مسرحية عديدة بمعالجات متباينة ورؤى مختلفة.ولعل صاموئيل بيكيت رائد مسرح اللامعقول أبرز من تصدى للفكرة في مسرحيته الحاضرة دوما في ذاكرة المسرحيين “في انتظار غودو”، على أن الكاتب المسرحي السعودي قدم معالجته المغايرة لفكرة الرتابة والتكرار والملل عندما فتح الفضاء أمام الشخصيات المتنوعة لتبوح بهواجسها وتطلّعاتها وأمنياتها المحاصرة بـ”طوق” الزمن والروتين وتكرار البدايات والوصول إلى ذات النهايات من جهة، و”طوق” الروتين الإداري الذي يعمل بنظام ميكانيكي رتيب ومملّ من جهة أخرى، إذ تحاول الشخصيات اختراق ذلك “الطوق” دون جدوى، وتتواصل محاولاتها وتتوالى بإصرار للانفلات من قبضة الـ”طوق” التي حكمت مجمل مفاصل حياة الشخصيات وأفعالها وسلوكها وحتى حواراتها التي راحت تتكرر بطريقة تثير السأم والضجر التي أصبحت بلا روح ولا معنى نتيجة هذه الرتابة والإيقاع الممل.سعى عرض “طوق” بكل تجلياته وممكناته التعبيرية إلى إقامة وتأسيس علاقة اتصال مع المتلقي، وأساس هذه العلاقة يقوم على اللغة المشتركة بين العرض المسرحي ومتلقيه، وهذه اللغة ليست لغة الممثل وحده، إذ اعتمد المخرج أنظمة أخرى من الدلالات التي أتاحت عددا من القراءات أمام المتلقي، فثمة عناصر أخرى غير لفظية فرضت حضورها في العرض، وشغلت مساحة في تشكيل خطابه، ربما كانت توازي أو تفوق مساحة العناصر اللفظية التي ترتبط مباشرة بالحوار، وعليها شيّد المخرج معمارية الفضاء ضمن رؤيته الإخراجية.والمرئيات لعبت دورا جوهريا في تشكيل أبجدية العرض وفي فك شفراته، واقتراح مقتربات معناه، أي إن العناصر المرئية مثل حركات الجسد الأدائي للممثل والإيماءات والإشارات والفضاء والقطع المنظرية، مثلت لغة وشكلت جزءا من تكوين أبجدية العرض ومفردات صياغة خطابه، كذلك كانت جزءً أساسيا من خطة وإستراتيجية المخرج في منح العرض طاقته التعبيرية والجمالية المخصوصة والمتفردة.من هنا تتكشف هيمنة الفضاء وتشكيله السينوغرافي على مجمل عملية صناعة خطاب هذا العرض، فالمعنى يتجلى عبر تفاعل سيميائي متوازن بين فضاء التمثيل وفضاء السينوغرافيا، لتتشكل شبكة مفهومات مؤلفة من نسيج دلالي وتنضيد علامي وتوظيف جمالي، وذلك عندما اعتمد المخرج على بؤرتين مركزيتين في عملية التشكيل السينوغرافي للعرض، الأول هو الساعة التي جعلها مهيمنة على ذوات الشخصيات والتي كانت حاضرة طوال زمن العرض، والثاني هي طاولة عمل الموظفين التي تتشكل وتتفكك حسب معطيات الحالة والموقف والتي تفاعلت دلالاتها لتنتج أكثر من معنى.وبذلك فإن عملية التواصل بين الممثل والجمهور لم تعتمد فقط على اللغة المنطوقة بشكل مباشر، فلغة السينوغرافيا مع لغة جسد الممثل تدفعان بالمتفرج لمحاولة إدراك ما يوّد العرض قوله عبر أبجدياته، وإيحاءاته، وبالتالي فإن ما يريده العرض ويسعى إليه، هو أن يضع المتلقي في مسار معناه.وفي كل مشهد من مشاهد العرض يترسخ فعل سينوغرافيا العرض، لتكون أكثر أهمية وربما أكثر إقناعاً للمتلقي وتأثيراً فيه، وتستمر عملية التفاعل الدراماتيكي في هذا الفضاء السينوغرافي المنفتح على تعددية المعاني، حتى إذا ما وصلنا إلى نهاية العرض، نجد أن محاولات الشخصيات مجتمعة، قد نجحت في كسر “الطوق” الجاثم على ذواتها المتطلعة نحو فضاءات من الحرية والانفتاح، وبعدما تغيرت وتبدلت وتعدلت مواقف الشخصيات التي كانت مترددة وخائفة ورافضة لمحاولات التغيير، وكأنها تستفيق من سبات عميق.لقد وظف العرض الفضاء السينوغرافي لغاية تحقيق الاتصال مع المتلقي، وقد استخدم كل ما يمكن أن يفتح آفاقا متعددة للسعي لتأسيس مقاربات المعنى الذي سعى إليه العرض، واقترح من أجل ذلك دلالات تباطن عددا من المدلولات الممكنة، التي فتحت مسارات عديدة لمعنى العرض ضمن بنية مكانية مغلقة ومحددة تحركت في حدودها الجغرافية جميع شخصيات العرض، فأصبح فضاء العرض نقطة التقاء لدلالات متعددة ومتباينة، نتج عنها تعدد المعاني وتعدد القراءات وانفتاح التأويلات، التي تمخضت عنها فاعلية هذا الفضاء المتأتية في نهاية الأمر من تحولاته المتعددة، ضمن الوحدة الدلالية المركزية للبيئة التي دارت في حدودها أحداث العرض.لقد اجتهد مصمم السينوغرافيا فيصل العبيد في إيجاد المعادل الموضوعي المعبر عن البيئة الملائمة للأحداث، على مستوى المنظر المتغير والمتحرك مع تحرك الحدث، أو على مستوى الوحدة الموضوعية لتفاصيل الأزياء وألوانها التي كشفت عن مستويات الشخصيات، وتكشف عن هواجس ومكبوتات وطموحات الشخصيات، ليبتكر بذلك أبجدية سينوغرافية ترجمت خطاب العرض بمنتهى الرشاقة والأناقة، فيما تقاسم الجهد الأدائي مجموعة الممثلين، عبدالعزيز الزياني، وماهر الغانم، وآمال الرمضان، وخالد الهويدي، ومروة الشافعي، وأحمد الذكر الله.

المشـاهدات 26   تاريخ الإضافـة 10/11/2025   رقم المحتوى 68153
أضف تقييـم