منذر عبد الحر..
الشاعر الذي جعل اللغة مرآة للوجع والجمال![]() |
| منذر عبد الحر.. الشاعر الذي جعل اللغة مرآة للوجع والجمال |
|
فنارات |
أضيف بواسـطة addustor |
الكاتب |
| النـص : محمد علي محيي الدين يُعدّ الشاعر والأديب منذر عبد الحر واحدًا من أبرز الأصوات التي رسّخت حضورها في المشهد الشعري العراقي منذ ثمانينيات القرن الماضي، شاعراً وناقداً وصحفياً وفاعلاً ثقافياً جمع بين الوعي الجمالي والالتزام الفكري في تجربةٍ ناضجةٍ تمازج فيها الحسّ الإبداعي مع الهمّ الإنساني. وُلد عبد الحر في مدينة البصرة عام 1961، تلك المدينة التي تتنفس الشعر وتتكلم بالنخل والماء والملح، وفيها أكمل دراسته الأولية قبل أن ينال بكالوريوس الإعلام . ومنذ شبابه الأول انخرط في العمل الثقافي والصحفي، فكان من الأسماء الفاعلة في اتحاد الأدباء والكتاب العراقيين، حيث شغل عضوية المجلس المركزي والمكتب التنفيذي في عدد من الدورات، ويشغل اليوم منصب أمين الشؤون الثقافية في المكتب التنفيذي للاتحاد العام للأدباء والكتّاب في العراق. كما هو عضو في نقابة الصحفيين العراقيين، وبدأ عمله في الصحافة عام 1984 ليصل إلى موقعه الحالي مديرًا لتحرير جريدة الدستور. منذ بداياته، كان منذر عبد الحر مؤمناً بأن الشعر ليس ترفاً لغوياً بل رؤية للعالم. فقصيدته لا تستعير اللغة لتزيين الواقع، بل تفككه وتعيد تركيبه في بنى دلالية تحفر في عمق التجربة الإنسانية. ولذا جاء مشروعه الشعري متدرجًا ومتطورًا عبر أكثر من عشرين عملاً بين الشعر والرواية والمسرح والنقد، شكلت بمجموعها خريطة روحية ومعرفية لمسيرة شاعر ظل وفيًّا لتجربته ولصوت الجنوب الذي يسكنه. أصدر منذر عبد الحر مجموعته الأولى "قلادة الأخطاء" (1992)، معلنًا ولادة صوت جديد في الشعر العراقي، تلتها "تمرين في النسيان" (1997) التي حاز عنها جائزة الدولة للإبداع لما حملته من نضج فني واتساع في الرؤيا. تتابعت أعماله الشعرية: "قرابين" (2000)، و"قرابين العش الذهبي" (2001)، و"شجن" (2001)، و"على حصان خشبي" (2010)، و"أعمل الآن قرب مقبرة" (2013)، و"صديقي الأمل" (2015)، و"مطر صاعد إلى السماء" (2019)، و"سيزيف السعيد" (2020)، و"شط العرب" (2022)، و"دموع النهر" (2024)، و"ماس القصائد" (2024)، وصولاً إلى المجموعة الشعرية الكاملة التي صدرت بجزأين عن اتحاد الأدباء والكتاب عام 2024. كما خاض تجربة السرد برواياته: "زائر الماء" (2005)، و"طقوس الإثم" (2012)، و"غناء سري" (2018)، ثم سيرته الذاتية "بئر يوسف" (2025) التي تعد شهادة أدبية لجيل الثمانينات بكل ما حمله من طموح وانكسار. وإلى جانب الشعر والسرد، كتب للمسرح عملين من المونودراما هما "أعشاش" (1992) و"غرقى" (1996)، وألف مسلسلًا تلفزيونيًا من ثلاثين حلقة عرض على قناة الحرية، كما أنجز دراسات وبحوثًا في الأدب الحديث، وترك بصمته في المشهد الإعلامي الثقافي من خلال مقالاته وبرامجه. تميّز شعر منذر عبد الحر بقدرته على إعادة تعريف اللغة الشعرية، فهو شاعر "الكلام الصعب والسهل" كما وصفه الناقد ناجح المعموري، إذ يتعامل مع اللغة بوصفها كائناً حيًّا يتحوّل ويتجدّد. لغته مشبعة بالحلم، لكنها مشدودة إلى واقع مثقل بالأسى، تعبر عن الجرح الجنوبي بلغة شفافة توازن بين العاطفة والوعي. في قصيدته، تختلط الأسطورة بالمكان، والذاكرة بالوجع، كما يلاحظ المعموري في حديثه عن “جغرافية منذر الشعرية” التي تتوزع بين شطوط البصرة وأنهارها وفراديسها، في نصوص شذرية تستدعي إرث جلجامش وتعيد إنتاجه عبر سرديات عشقية موشّاة بالرمز والانفعال. أما الناقد محمد حسين الداغستاني فيرى أن مجموعته "دموع النهر" (2024) تنبض بـ"وجع جنوبي نبيل، ولغة سلسلة مثقلة بالذكريات، تأخذ القارئ نحو عوالم من الحنين المضيء، وتمزج الوضوح بالدهشة الشعرية في توازن نادر". ولا يكتفي عبد الحر بالكتابة الشعرية، بل يقف على تخوم النقد والتأمل في ماهية الشعر ذاته. فهو يرى أن كثيرًا مما يُنشر اليوم تحت اسم "قصيدة النثر" لا يمتّ إلى هذا الفن بصلة، إذ يفتقد إلى الشعرية واللغة المجازية، ويقتصر على خواطر أو سرديات مباشرة لا تحمل طاقة الخيال. يقول في هذا الصدد: "الشعر يجب أن يطير باللغة من مألوفها إلى مجازها، ومن التعبير العادي إلى الإبداعي، لا أن يكون ترتيبًا لجمل يومية على شكل قصيدة. فالشعر وعيٌ ولغة وخيال، لا مجرد سرد عابر". بهذا الموقف النقدي الصريح، يعبّر عبد الحر عن حسٍّ دفاعي عن جوهر الشعر في زمنٍ طغت فيه السهولة على العمق، وأضحى فيه النشر الإلكتروني مساحة خصبة للنصوص الفاقدة لروح الشعر. يظل منذر عبد الحر، رغم اتساع تجربته، ابن البصرة المخلص، يحمل في ذاكرته رائحة النخل وماء الشط، ويستمد من المكان هويته الجمالية. قصيدته تمتح من النكهة الجنوبية الممزوجة بالشجن، لكنها لا تنغلق داخل حدودها المحلية، بل تنفتح على الأسئلة الكبرى للوجود والحرية والكتابة. لقد استطاع أن يصوغ تجربته الشعرية ضمن وعي حداثي متوازن، لا يقطع مع التراث ولا يستسلم له، بل يحاوره ويعيد تشكيله في ضوء الحسّ المعاصر، فغدت قصيدته مساحة لقاء بين الذات والذاكرة، والجرح والضياء، وبين الحنين والتمرد. ومنذر عبد الحر ليس مجرد شاعر غزير الإنتاج، بل صوت من أصوات الوعي الجمالي في الشعر العراقي الحديث، وصاحب مشروع شعري يشتبك مع الحياة والفكر واللغة. إنّه الشاعر الذي آمن بأن القصيدة فعل وعي وحرية، وبأن اللغة حين تتطهّر بالألم تصير مرآة للجمال. وفي زمنٍ تهاوت فيه المعايير وتكاثرت النصوص الهشّة، يبقى منذر عبد الحر واحداً من أولئك القلائل الذين حافظوا على نبالة القصيدة وكرامة الكلمة، ليؤكد أن الشعر في العراق ما زال قادراً على أن يقول ما لم يُقل بعد.
|
| المشـاهدات 22 تاريخ الإضافـة 10/12/2025 رقم المحتوى 68759 |
أخبار مشـابهة![]() |
أصالة تحسم الجدل حول انفصالها عن زوجها الشاعر العراقي فائق حسن
|
![]() |
بعد أن جفّت منابع النقد:
انتبهوا إلى ما يكتبه الناقد الدكتور عبد الكريم الحلو ! |
![]() |
الأمل الذي لا يستسلم |
![]() |
احتفاء بالمسرحي العراقي عبد الاله عبد القادر وكتابه «فضاءات المسرح العربي: قاسم محمد نموذجاً».. في الشارقة |
![]() |
فاطمة الزهراء… الهدوء الذي يسعى البعض لجعله صخبا في سوق الطائفية |
توقيـت بغداد









