السبت 2025/12/20 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 8.95 مئويـة
نيوز بار
أمَـلْ .. قصة قصيرة
أمَـلْ .. قصة قصيرة
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

     قق    

الكاتب /   محمود ال جمعة المياحي

 

     في صِباها كانت تحلم ان تصبح عارضة أزياء لكن البيئة التي تعيش فيها لا تسمح بذلك، الاحلام تحتاج الى شجاعة او الى حظ كي تتحقق!! فمدينتها المقدسة اشتهرت بانها تستقبل الجنائز وتصدر العمائم ، والدها الذي يعمل بتجارة الاقمشة رأى ان في العاصمة بغداد سوقا افضل فانتقل اليها مع العائلة ، هنا رقص الحظ واصبح الحلم قريبا ان يتجسد في ثوب الحقيقة ، أمل التي عاشت الامل بان تكون عارضة أزياء يساعدها في ذلك رشاقة جسمها وطول قامتها وجمال طلتها، رات في دخولها معهد الفنون الجميلة قسم التصميم سيحقق حلمها وسيساعدها كثيرا لانها ستكون قريبة من الفنانين والمصممين والتشكيلين الذين بإمكانهم ان يقربوا المسافة الى دار الأزياء العراقية ، بعد التخرج عُـينت أمل مُدرسة التربية الفنية في احدى ثانويات البنات في منطقة الناظمية ببغداد ، عندما كانت تدخل المدرسة تشرأب الاعناق إليها و يلتفت الجميع مدرسات وطالبات ينظرن ويتطلعن الى آخر صيحات الموذة والى رمزية الألوان وتناسقها مع كشخة الملابس وانسجامها ، كانت تقول وتنصح الطالبات بان قمة الاناقة والشياكة هي في لبس لون واحد او اثنين لا اكثر ! بعد ذلك تُـصبح الألوان فوضى والملابس خرابيط ! استطاعت الست امل ان تُضيف منهج الفصال والخياطة الى مادة التربية الفنية بعد ان اقنعت المديرة بان الخياطة للفتاة اهم من الرسم !!عندها رفعت شعار (شخصيتكِ ..تبدأ من إناقة الكلام وإناقة الهندام ) !!

    تبنت الست امل تثبيت مناهج فن التفصيل والخياطة في السنة الأولى وفي الثانية اثمرت جهودها بإقامة معرض لمنتجات الطالبات من الألبسة والاكسسوارات ،لا قيمة للعمل بدون احداث تُخلد وجوده ، أرسلت المديرة بطاقات الدعوة الى مديريات التربية والى المعنيين بالشأن التربوي لحضور المعرض ، وفي يوم الافتتاح وقفت المديرة وبجانبها الست امل عند باب المعرض يستقبلن ويرحـّبن بالضيوف ، طاف مدير التربية في رواق المعرض وكلما اعجبه منتج تقوم الست امل بالشرح والتوضيح فيبعث المدير بصمة اعجاب مع مديح الكلام حتى وصل الى النهاية ،شكر المديرة والقائمين على المعرض وانصرف تبعه بعد ذلك بقية الضيوف وفرغت القاعة من الشخوص إلا شخصا واحدا وقف عند نموذج ( بدلة العروس البيضاء المطرزة بالترتر) اخذ يمعن النظر في البدلة و يتأمل الست امل ثم تقدم نحوها وسألها بابتسامة شفافة .. عفوا ست منو صمم هذه البدلة؟ اجابته بابتسامة الترحاب .. هذه من تصميمي وخياطتي لا نها صعبة على الطالبات !! ارتسمت علامات الرضا والاعجاب على وجهه ثم القى التحية وانصرف، شعرت امل ان في راس الشاب أسئلة لم يبح بها كون المجال مشحون بالعيون من المدرسات والطالبات، بعد ثلاثة أيام لاحظت وجود هذا الشاب في غرفة المديرة! لا يعنيها ذلك لان كثير من أولياء الأمور يأتون للسؤال عن بناتهم ، وفي لحظة انشغال طرقت المُعينة ام جاسم باب غرفة المدرسات وطلبت من الست امل الحضور الى غرفة المديرة  ، قفز شعور ان طلب الحضور هذا له علاقة بالشاب !!، دخلت امل غرفة المديرة ولكن الشاب كان قد غادر المكان !هدأت قليلا من الشعور بالتوتر وعدم الاطمئنان الذي كان ينتابها ،رحبت بها الست راجحة واجلستها بالقرب منها وهي تلقي بكلمات المديح والثناء عليها ثم ناولتها ورقة كتاب الشكر مقدمة من مديرية التربية ثم اردفته بمضروف كبير وقالت للست امل ..افتحيه ..ظهرت شهادة تقديرية باسم الست امل موقعة من مدير عام التربية ومختوم بالـ ( هولي غرام) الذهبي دلالة على الاصالة دون التزوير ! عند ذلك طلبت المديرة حضور المدرسات كي يُبلغـّن الطالبات بان حفلة التكريم سوف تكون في رفعة العلم، واوعزت الى الست امل بتحضير قائمة بأسماء المشاركات بالمعرض، وقبل يوم من الاحتفال توجهت الست امل وبيدها قائمة الطالبات المشاركات وعند دخولها غرفة المديرة تفاجأت بوجود نفس الشاب جالس عند الست راجحة! وغزها قلبها بقوة ولكن تظاهرت بعدم الاكتراث لوجوده! اما هو فارتعدت فرائصه، قام وستأذن وانصرف بحركة تـُظهر ارتباكه، ابتسمت الست راجحة ابتسامة عريضة وقالت تفضلي ست امل استريحي ..وقبل الجلوس مدت امل يدها ..ست تفضلي هذه قائمة بأسماء المشاركات بالمعــ...  قاطعتها المديرة فقالت ..استريحي استريحي ست امل عندي حجي وياكِ .. استمعت امل الى حديث المديرة الذي مفاده .. هذا الشاب هو الأستاذ حامد من عائلة كراديه معروفة جاء لطالب إديك ..! الصمت يملئ الغرفة بألاف الأسئلة، بقيت امل متماسكة وثابتة ولبرهة من الزمن ثم قالت .. عفوا ست راجحة هذا الامر راجع للوالد وقراره هوه الماشي !! بعد مضي عدة أيام إلتقت عائلة حامد بعائلة امل، تكررت الزيارات حتى صدر الايجاب من حامد والقبول من امل ،وهنا اشترط حامد على امل ان تلبس في حفلة الزفاف تلك البدلة التي وقف عندها في المعرض !

   حامد شاب في الثلاثين من عمره يعمل في مطحنة تابعة للقطاع الخاص وهو مهندس ميكانيك ذكي وفاهم وقام بتطوير المطحنة بإضافة أجزاء ساندة للسوفترات لمنع تكرار عطلها فكسب ودّ وحب مالك المطحنة ، وكان يحلم بان تكون شريكة حياته مثله ذكية ومتميزة وليس مجرد ربة بيت ! وعلى نياتكم ترزقون فحصل على غايته وتم الزواج، وحصلت مع بداية زواجه احداث سياسية غير مستقرة ، ففي الثاني من آب عام 1990 احتل العراق الكويت وفرضت الأمم المتحدة حصار مقيتا وجائرا على الشعب العراقي طال الأخضر واليابس وشمل العريان والابس ، وبعد ثلاثة اشهر من الحصار اتصل احدهم  بالهاتف الأرضي على حامد .. الو حامد ..مهندس حامد .! نعم تفضلوا منو ؟..آني قاسم نايب ضابط قاسم .. اهلا اهلا أبو محمد كيفك ....  ودار بينهما حوار وعتاب انتهى بطلب ن .ض قاسم من حامد كيس طحين لان الحصار  قد دمّر عائلته.. تدلل أبو محمد تعال للمطحنة واخذ حصتي مال هذا الشهر.!!

    اشتد ضغط الحصار على الشعب العراقي مع اشتداد تصريحات أمريكا باشتياح العراق اذا لم يخرج من الكويت مما جعل وزارة الدفاع العراقية ان تستدعي أربعة مواليد احتياط كان من ضمنها مواليد حامد ! ترك حامد امه وزوجته حاملا في الأشهر الأخيرة والتحق بالجيش وكان معسكره في نكرة السلمان في محافظة السماوة ، الطريق الى نكرة السلمان تنبعث من رماله قصص لم ترويها الريح بل سرقها الزمن! في المعسكر التقى حامد برئيس العرفاء رشيد سلمه الكتاب، وبعد عشرة أيام طلبه رشيد ليبلغه انه منقول الى سرية شمال المعانية وهي منطقة حدودية جنوبية غربية ضمن جبهة حفر الباطن التي تتمركز فيها قوات الحلفاء وقال له .. خويه حامد هذا كتاب نقلك و باجر من الفجر تركب بالسيارة الزيل العسكرية لان ماكو سيارة توصل لهناك بس هاي السيارة !! في الصحراء كانت العجلة الزيل تغوص في بحر الرمال !! لا آن ولا ودان ..لا شارع ولا بنيان سوى ارض وسماء ، حامد يقرأ المعوذات وآية الكرسي ليس خوفا من العدو وانما خوفا من التيه في الصحراء، انه موت من نوع آخر ، اما السائق سوادي فيدندن في كل منعطف و وادي  بالدارميات والابوذيات ،انه يهرب من واقعه الذي فرضته السياسة عليه ، ومع الضياء الأخير وصل حامد الى المعسكر لم يرى سوى خنادق مغطاة بالجينكو وكانها قبور لاحياء ينتظرون الموت والفناء ! رحّب به احدهم واخذه الى احد الخنادق وقدم له الخبز والماء اكلها بدون ان يتذوقها ،البرد شديد والريح تعربد ولكنه غفى على حقيبته من التعب والقلق ، مع الضياء الأول من الفجر ذُهل حامد من حجم القوات المتجحفلة امامه اذ سمع احدهم يقول ..شوفو هذه القوات الفرنسية كدامنا !! ادرك عندها انه هالك اذا ما اندلعت الحرب !!  مـّر الوقت وكانه يمشي على ظهر سلحفاة و بعد أسبوعين على وجوده بالمعسكر طلب حامد إجازة اعتيادية وكتب سبب الاجازة ( انتظر مولودا ) وفي الليلة الظلماء سمع احدهم ينادي ..منو حامد ..منو حامد؟! نهض من خندقه وقال ..آني حامد .. خويه حامد تعال انت محظوظ أي الله أي والله بس اجازتك وقعها الآمر والبقية رفضه !! انطلق حامد من الضياء الأول مع السائق سوادي نحو مقر الكتيبة لختم اجازته، ولكنه تفاجئ عندما التقى رشيد فقال له .. خويه حامد جايه عليك برقية ( سري وشخصي ) اليوم الفجر بالهليكوبتر .. اصفر وجه حامد .. شنو ريس خوفتني يا ساتر يارب ! بهت حامد من الخبر وازدادت دقات قلبه خوفا من نقلة مرعبة قادمة له  وهو ينتظر ما ستؤول اليه اللحظة القادمة التي سيفصح  عنها رشيد !وكانه بانتظار حُكم محكمة ..رفع رشيد راسه مع ابتسامة مُـفرحة ..خويه انت منقول لبغداد !! انتفض حامد ثم انقض على رشيد يـُقبله ثم اخذ نفسا عميقا وذهب ليتوضأ ويصلي ركعتين حمدا لله وشكرا له !!  لم ينتظر حتى يأتي الفجر ،لان الليل كتاب اسود يروي حكايات المغيبين بصمت ولا يدري ماذا يحمل الصباح من اخبار ! اخذ كتاب النقل وتوجه الى مدينة السماوة ثم الى بغداد التي وصلها في الثالثة بعد منتصف الليل، وضع يده على جرس الباب ثم سحبها فكـّر ان طرق الباب بهذا الوقت قد يتسبب بصدمة للأهل، البرد القارس يجمد قواه والقمر غائب تلك الليلة، قرر الجلوس عند عتبة الباب ينتظر انبلاج الفجر ومن فرط تعبه غفى على حقيبته لينهض على صوت بكاء طفل يصدر من غرفة نومه ! شعر ان شيئا ما قد حصل داخل اسرته، بكاء الطفل شجعه ان ينده امه التي تنام في الغرفة القريبة من الشارع وبصوت خافت. يمه يمه آني حامد افتحيلي الباب !! سمعت صوته نهضت وهي تهلل بهدوء ..هله هله يمه هله  فتحت له الباب وبعد ان قبلته قالت.. ابشرك وليدي صرت أب !! قّـبل يدها ودموعه تسيل على خديه وتوجه الاثنان الى غرفة نومه، دخلها بهدوء وقعت عيناه على طفلة كالقمر ترضع الحليب من ام القمر! قـّبل رأس ام القمر (زوجته) ثم انحنى ليقبل طفلته وبحركة لاإرادية وقع المضروف العسكري من جيب حامد في حضن الطفلة ، لم يتمالك نفسه فاجهش بالبكاء استغربت ام حامد وزوجته من هذا التصرف وكأن شيئا ما قد حدث له ، قدمت امه قدح ماء وقالت له استريح يمه واحجينه شنو الي صار وياك وشنوهذا المضروف ..؟  بدأ حامد يسرد لهم ما حصل له  من نقلات حتى استقر الامر ليكون  امام القوات الفرنسية في جبهة حفر الباطن ! بكت امه وزوجته وطفلته أيضا وبقي يحكي لهم حتى وجد نفسه غافيا لينهض على صوت جرس الهاتف الأرضي رفع السماعة ..ألو منو تفضلوا ..صباح الخير حامد ..منو أبو محمد ..اي أبو محمد ! شلون عرفت آني مجاز ؟ قهقه قاسم وقال له.. انت منقول لبغداد ! اندهش حامد من كلام قاسم ثم تابع حديثه ..جا غير آنه الي دزيت برقية  نقلك بالهليكوبتر..! أبو محمد كفو منك تعال باجر واخذ كيسين طحين !! شرد حامد مع ترتيب الاحداث المتسارعة التي حصلت معه ابتداءً من النقلات العسكرية ثم الاجازة الحصرية له دون غيره وآخرها نقلته الى بغداد !! هل جاءت كلها بالصدفة ؟! ام لها مدبر وموجه !! ولكنه سمع والدته تقول .. يمه حامد على عين هذه الطفلة الله خلصك من الخطر.. وبعد ليلتين بدأ الهجوم على العراق ، وفي الصباح سمع حامد بيان القيادة العراقية الذي يؤكد بسالة الجندي العراقي رغم شراسة الهجوم ثم ذكر المناطق التي هاجمتها قوات الحلفاء فبدآ بمنطقة عرعر والنخيب والامغر وشمال المعانية وشلة الاغوات ووووو..وبعد الانتهاء من البيان اتصل  به قاسم على الهاتف الأرضي واخبره باستشهاد جميع من كان في الأماكن التي ذكرها البيان ولم ينجو منهم أحدا ابدا، حمد الله وشكره على نعمة النجاة ونعمة ولادة (حياة )طفلته !! ليتيقن حامد ان الحياة قد كتبت له من جديد، وبذلك استبدل اسمها من  قمر الى حياة !! وكما يقولون ان الارزاق تكتب للبشر مع النواصي والكصص والعتاب . 

المشـاهدات 58   تاريخ الإضافـة 20/12/2025   رقم المحتوى 69086
أضف تقييـم