الجمعة 2024/4/26 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 24.95 مئويـة
الاختزال اللغوي والتكثيف الدلالي في مجموعة  : ( لا ضوء في قناديل الحروب ) للشاعر العراقي الكبير  جبار الكواز
الاختزال اللغوي والتكثيف الدلالي في مجموعة  : ( لا ضوء في قناديل الحروب ) للشاعر العراقي الكبير  جبار الكواز
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

قراءة / محمد جودة العميدي

صدرت عن (دار السامر للطباعة والنشر)  في البصرة المجموعة الشعرية ( لا ضوء في قناديل الحروب ) للشاعر العراقي الكبير  جبار الكواز  .يقع الكتاب في ٧٦ صفحة من القطع المتوسط .

اذاكان الادباء هم الاقدر من غيرهم على توصيل التجارب الانسانية و الربط بينها ، فأن الشاعر العراقي الكبير جبار الكواز من الشعراء الذين مرّوا بتجارب متنوعة كانت سببا بتنوع معجمه الشعري .

والنصوص الوجيزة التي تضمنتها مجموعته : ( لا ضوء في قناديل الحروب ) تجربة جديدة للشاعر ، فهو لم يسبق له ان كتب نصوصا  بهذا الشكل . واذا كان ( الشعر هو اللغة بوظيفتها الجمالية ) برأي  جاكوبسون ، فأن لغة هذه النصوص اكتسبت التميز مما يسهل  للمتلقي ادراك اسرار  هذه اللغة الفنية ،  لتصبح  هذه اللغة هي الصلة الرابطة  بين االكلاسيكي القديم  و الحداثي الجديد .

ولخلق الفضاء الشعري المناسب اختار الشاعر جبار الكواز الفاظا شعرية شفافة ذات الاثر الفني البليغ  ليضع المتلقي في اجواءه الشاعرية التي يستطيع من خلالها ان يحقق قراءة ماتعة للنصوص  . استطاع الشاعر جبار الكواز من خلال درايته وخبراته اللغوية ان يطوّع الفاظه بمايلائم النص الشعري وثيمته .

استوقفني عنوان المجموعة ( لاضوء في قناديل الحروب ) الذي يشكل حالة استفراغ  لإنعدام الحروب من كل فائدة حيث يكون المنتصر  خاسرا ، و ثمة لا قناديل اساسا في الحروب بل نيران حامية وهنا في عنوان المجموعة نلمس مقاربة وتوظيف ديني  قرآني يذكّر بقوله تعالى : ( كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله ) . كما ان نصوص المجموعة لا يتصدرها  إهداء الذي أراه ضروريا بوصفه احد العتبات النصية الذي يشي بما تصطبغ به النصوص من روح انسانية مفعمة بصدق العاطفة وتوهجها .

قرات كل النصوص لكنني ركزت على عشر منها في قراءتي الانتقائية هذه لرصد سمات هذه النصوص ولرصد سمات الخطاب الشعري للشاعر جبار الكواز ومعرفة مناهل خطابه ومصادره ومعرفة ادواته الشعرية .

ففي النصين :

          كلما اوثقت ليلتي بأسئلة منحولات

   طلعت من عتمتها اجوبة احترقت خداعي بالصدق

          كلما سجنت ليلتي بأسئلة

                  منحولات

     طلعت من قضبانها اجوبةاحترفت خداع النهار

اشتغل الشاعر على عنصر المفاجأة ليضمن استمرار المتلقي بقراءة النصوص .اتت الانزياحات اللغوية في النصين من اجل التكثيف الدلالي كي لا تقع النصوص في نثرية مفرطة يخرجها من اطارها الشعري .

وفي النص :

                  قلم ابكم

         ورقة سوداء ..مداد منحول

             أين السبابة والابهام ؟!

            لا فئران في بيوت الفقراء

              لا عسل في خلية الذباب

                 لانهر وراء الابواب

                فمن سرق المفتاح ؟!

عمل الشاعر بتقنية ( الصورة البديلة ) عندما وضع مفردة مكان اخرى ، لإثارة انتباه المتلقي :

   لاعسل في خلية ( الذباب )

يحمل النص توظيفا للتراث التأريخي العربي ، وفيه  اشارة لقصة إمرأة عربية أتت الحجاج بن يوسف الثقفي  وقالت له : ( أشكو قلة الفئران في بيتي ) وهو كناية عن الفقر  . وفي النص اشارة لما يعانيه الناس من الفقر في بلاد غنية غنى الرافدين .

ومن ابرز سمات نصوص المجموعة هي ان النص يكتنز فكرة كاملة رغم قصره .كما ان النصوص  تناولت ثيمات شتى ومعالم انسانية متنوعة . والسمة الغالبة في النصوص هي الانسجام الموسيقي harmony  الناتج من تآلف المفردات  والدقة في حسن تجاورها في النص الشعري .

ونصوص المجموعة نصوص وجيزة وهي تقابل قصائد الومضة flash poems في الآداب العالمية ، تعتمد على الايجاز اللغوي مقابل التكثيف الدلالي مايجعلها نابضة بانفعالات  النص الشعري .

و الصور البلاغية واضحة للمتلقي ، لاحظ صور التشبيه في  النصوص :

مثل

حبة قمح انبتت سرب قطا كانت دمعة

أم شهيد

كمن رسم شمسا ليتدفأ

كمن ثقب سفينة ليجفف نهرا

كمن رمى ياقوتة في نهر ليصطاد حصاة

كمن نحر ديمة نكاية بالصحراء

كمن كمم صرخة ليوئد حلما

كمن باع ابرة وخيطا

   ليرتق غيمة                                           

وبعض النصوص فيها سمات  قصائد ( الهايكو ) :

مثل

حبة قمح أنبتت سرب قطا كانت دمعة

أم شهيد

تشكل الخلفية الثقافية للشاعر المنهل الاول لخطابه الشعري ، فهو يكتب نصوصه الشعرية بوعي  عال لأنه يمتلك احاسيسه وادواته الكتابية الخاصة به .

وفي النص :

هكذا كان ....

هكذا كانت ....

هكذا كنا ....

دلني على واحد منا عبر رصيف الذاكرة

اشتغل الشاعر بتقنية ( الاسترجاع ) flash back  لاسترجاع ذكريات  ، وثمة حنين الى الماضي والايام الجميلة  وشعور نستولوجي يشعر به المتلقي .

وفي النص :

بشيلتها السوداء رأيتها

تشم القبور

بحثا عن اصدقاء ولدها الغائب

يتقاسم الشاعر هموم الناس وما أصابهم في ايام عصيبة مرت على بلادنا . وفي النص اشارة  وادانة لظاهرة الاختطاف .

وفي النصوص :

سرق الدجالون بغداد

حين دسوا الاوهام

في وسائل الموتى

ولوّنوا  قمصانهم

بدماء الشهداء

حين نام اسد بابل

اختنق شارع الموكب بروث الغزاة

                      بين اسد بابل ووسط الحلة ساعة نائمة

       منذ عهد يأجوج ومأجوج

المشـاهدات 1153   تاريخ الإضافـة 18/04/2021   رقم المحتوى 10850
أضف تقييـم