الجمعة 2024/4/26 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 28.95 مئويـة
قصتان قصيرتان
قصتان قصيرتان
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب هناء العامري / البصرة
النـص :

شعور جغرافي

هذه الأبواب المشبعة برائحة نتنة، والتي تحجب عنا  نور الشمس ، خلال اليوم تفتح مرة واحدة حيث يدخل منها رجال مكممون يحتذون جزما طويلة.  وكلما سرحتُ بذاكرتي لأبعد مما أتصور - وجميعهن مثلي- كي نصل الخيوط مع بعضها لنعرف الطريقة التي جاءت بنا إلى هنا نصطدم بهذه الأقفاص المزدحمة، فاغرة افواهها بعد أن  انتفخت بطن حقيبة مالكنا !

لا نعرف من نحن،  ولا أين ولدنا، ومن أي البلاد جئنا !

شعور غريب داهمنا بعد غزارة البيض الذي تعملق بداخلنا، ونما يقينا فينا بأنه لن يفقس ولو احتضناه دهرا ! ،... لا أحد يفهم  نداءاتنا...

مرات عديدة نستغل الغفلة  لنحرمهم منها، صار نزقا حاد المزاج صاحب الحقل.

  وسبق أن انتهى إلى سمعي عدة أصوات.

_ بعضها ذكرنَّ أنهنّ شاهدنّ شبحا يجول في المكان ليلا!

_  مالكنا يأمر بتقليل الوجبات.

_  ثمة دجاجات يطلقنّ أصواتا زاعقة كأنها تنذرُ بشؤم وشيك قادم.

- وكثير من الاحاديث الجانبية والتكهنات.

وذات صباح يوم لقيط كانت الأيدي تمسك بنا، بأصابع خشنة تضغط ، تعتصر الرأس، وكماشة حديدية قد أخذتْ مكانها على جزء كبير من المنقار، لم يكن الأمر سهلا أن يقتلع وجهي!

لساني المبتور أخذتهُ موجة من النار، تلسعني، تقذفني عاليا لأرتطم بوجه الأرض، الهواء يدخل إلى صدري من محرقة ويخرج بحدة السكين من منخر مشقوق، رحتُ أُرفرف بكل اتجاه ، وحين ننظر إلى بعضنا  كانت نظراتنا أقرب إلى البكاء.

قالت أحداهنَّ بصوت مبحوح: " إن حكايتنا لها صلة بحكايات السجون وطريقة التعذيب فيها ! "

فردت أخرى: " أنظري إلى جسمي شبه العاري، انه من تأثير المحفزات ! "

ومن ركن صدرت همهمة اللاتي تركنَّ المعالف والمجاثم، واعتكفنَّ يبحثن في سرهنّ عن أمومة معطلة،  يحتضنَّ الفراغ.

وبعد مدة ليست بالقليلة كانت سرعة المركبة التي تحملنا داخل الأقفاص تسير بسرعة تتناغم  مع صوت ينادي :

(دجاج بياض - أحمر بياض) تدخل أحياء سكنية متشعبة لينتهي بنا المطاف على يد جدة تقلبنا على ظهرنا، تتفحص انتفاخ البطن، وبدون خجل أو حياء تمدُ اصبعها في  عمق الرحم لتحسم أمرا !

وما أن ادارت تلك السيدة ظهرها عن قنٍ صغير ٍ محكم حتى وجدتُ نفسي أمام هجوم كاسح  بمناقير حادة، وأرجل نباشة ذات مخالب من ريش ٍ أسود وأرقط يتقدمهنَّ ديك هرم هزيل  !

 

(كان بلا حراسة)

صباحا ، لحظة اعداد الشاي أنتبهتْ إلى نافذة المطبخ المفتوحة مما جعلها تحدثُ نفسها :

" لقد تملكني التعب ، وغلبني النعاس ونسيتُ أغلاقها ، بسببه أهملتُ كثيرا من الأشياء "

وبعد أن ألقتْ نظرة فاحصة من خلال النافذة، تم أغلاقها، ثم توجهتْ إلى الممر حينها كانت الساعة المعلقة  تشير إلى العاشرة، وبينما كانت خطواتها تتجه الى تلك الغرفة

 أخذ الهواء البارد يلاطم جسدها النحيل ، ويحرك قميصها القصير المزهر بالأخضر والمنزوع الأكمام ، أما ملامحها فكانت في ارتياح تام..... ولكن حين دخلت الغرفة وقفت مذهولة !... 

فقد رأت وجههُ مضغوطا على السجادة وعبارة ملصقة على ظهره ، وبخوف شديدٍ، ورهبةٍ من منظره ، أرتجفَ كل بدنها  وأخذتْ  تتمتمُ بهلع :

   " لا شك أن هذه العبارة هي أحدى الأسماء أو المراجع ، أو الشركات ، أو الأفراد العائد لهم ، فالغرفة التي فيها ممدّد باردة جدا ، إنها أشبه ما تكون بغرفة مثلجة ،    وهذه أوراق وكرّاسات ممزقة ، لعب فُتِحتْ دواخلها ، وفصلت رؤوسها عن أجسادها.

 يا إلهي .. ، إن نصفهُ الأيمن لا يشبهُ نصفهُ الأيسر! وهذا يضعني أمام كثير من التساؤلات . أنا لا أستطيع  أن أتفحص كيف تقطعتْ وتمزقتِ ذراعاه ، أنا لا أقوى على ذلك ، أن البتر والقطع أعمالٌ إرهابية ، ومهما تكن الخلافات  بينهم لا تدفع إلى هذه البشاعة.

    ترى من هو؟

    أو من هي؟

    لقد تم تدوين أسمه حديثا في كشف المشتريات ،  فهو أبعد ما يكون عن الخيانة أو الزلل ، حتى  وأن كان قد سجلَ أو ذكرَ معلومات خاطئة ، أو سربها فمن غير المعقول أن تكون التلميحة كهذهِ .

    إن القيام بهكذا عمل إجرامي حتما لهُ دوافع ، وأننا لا نعرفُ عقائده ومرجعياته الدينية ، إلا أن قلبهُ كان مليئاً بآيات من الذكر الحكيم وقد استمعتُ أنا منهُ وهو يرددها .

  ما أتعسنا!..... إنها الليلة الأولى بتواجده معنا في هذه الغرفة التي أعدّدتها لهُ بعنايةٍ فائقةٍ ، تتناسبُ ومكانته وبدون حراسة ، إنها في آخر الممر ، في أهدأ مكان من البيتِ  وبعيدا عن كل ما يربك عملهُ.  فبعد تناولنا العشاء كان الوقت ممتعا جدا معهُ ، فقد كان مرناً وهو ينجزُ كل أوامرنا ولم يعلق ، كان مقاتلا بكل الاتجاهات ، هو من شعبٍ لا ينام ، يعمل باستمرار ،   ودون توقف ، ولا شك إن هذه الجريمة وقعت بعد مغادرتنا إياه.

 كانت تبدو مصدومة إلا أنها لجأت إلى هاتفها الجوال ، أجرتْ عدة اتصالات مهمة بشأن ألحادثة ، ومع أحد الأرقام ذكرتْ عبارة " قبل ساعة من الآن "  أكثر من مرة.

عادت بذهنها إلى الوراء ، وهي تذكّر نفسها : " لقد قتل والدي قبل سنتين بطريقة بشعة أمام داره ، وهو ذاهب إلى المخبز صباحا ، وعملي مرتبط به .

    فقد أعتادَ على نشر مقالاته ، ليفضحَ  الإعلام السياسي الذي يضللُ الرأي ويحرف الحقائق ويشوهها ، بكتابته يحلل الأفكار المتطرفة ، ويدعو إلى الوقوف بوجهها ومحاربتها ".

     ثم دخلت الغرفة ثانية بارتباك وقلق شديدين ، التقطتُ عدة صور ، قرّبتُ الكاميرا من تلك القصاصة الورقية الملصقة على ظهره ، وبعدها غادرتْ المكان منشغلة بترجمة العبارة عبر الگوگل .

    أنتبهتْ إلى طفلها ذو السبع سنوات واقفاً يتأملها ويشهد ارتباكها ، ثم تلاه على الفور  شقيقهِ الأكبر منهُ .

    وبيد كل منهما بعض القطع والاجزاء المبتورة من ذلك الريبورت الآلي بعد شجارٍ بينهما على لعبة قتالية قبل أن يناما !

المشـاهدات 1158   تاريخ الإضافـة 18/04/2021   رقم المحتوى 10851
أضف تقييـم