الإثنين 2024/5/6 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
غيوم متفرقة
بغداد 24.95 مئويـة
قصتان قصيرتان
قصتان قصيرتان
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب  للقاص :جنكيز جوزيتوف
النـص :

رياض عبد الواحد

ولد القاص جنكيز عام 1939 في مدينة باكو .تخرج في جامعة موسكو عام 1952 واكمل دراسته العليا في احد الفروع العلمية . ظهر اول نتاج له عام 1962 بعنوان - اختي - . في عام 1964 ظهرت له مجموعة قصصية بعنوان - انتهت الدقيقة - .عام 1965 ظهرت له مجموعة اخلرى بعنوان : ريح فوق المدينة .

 الخبز

كان لزاما عليً ان اتذكر ذلك اليوم ؟ربما كان حلما من احلام طفولتي البعيدة.كنت ارى سقف غرفتنا الكبيرة يبرد في سنوات الحرب اذ لا شيء يجعل من الغرفة دافئة سوى حرارة ذلك الموقد النفطي. طاولة مستديرة تحتل مكانا واسعا في الوسط , والكرسي القديم المتهالك الذي كانت تجلس عليه والدتي وتتقرفص وكأنها تعبى جدا من عمل شاق . كنت احلم بهذا كله في بعض الاحيان ... بيد ان هذا الحلم لم يكن قريبا , لم يكن في الليلة الماضية او في الصباح كما تظنون بل حدث ذلك حين رمى ابني الخبز المتبقي من يوم امس وطلب خبزا حارا يستلذ بأكله . هل هذا سبب من اسباب تذكري ؟ ربما . لا حاجة للبحث عن سبب .كان لزاما علي ان اتذكر ذلك عاجلا ام آجلا لانها لم تكن لحظات عابرة كي انساها مرة اخرى .كيف لي ان اعيد بذاكرتي كل هذه الاشياء ؟ لا يوجد ما هو اسهل من تدوينها . كل الذي قلته حقيقة .... في طريق العودة اكلت امي خبز الحرب , ذلك الخبز الاسود الثقيل. حين رايت حافة الخبز وقد قضم منها الكثير صرخت :لقد اكلتم قطعة منه في الطريق ' كان عليكم ان تقسموها بالتسوي ! نظرت امي لي والرعب يملأ عينيها . كانت شفتاها البيض تتكلمان من دون صوت وكنت وجلا جدا من هذا الصمت الذي يخيم على غرفتنا .قلب امي تملؤه التعاسة والشقاء ومع هذا فأن عيوتها تنظر لي بحنان .لم اتذكر كيف وليت هاربا من البيت , كان الوقت ليلا حين عدت الى البيت ولم اتوقع ان اجد احدا غير اني فوجئت بوالدتي . نظرت في وجهي وقالت مسرعة : اذا بدأت اقسم الخبز كما يفعل الاخرون فأن قلبي سيتحطم .لا اريد هذا , هذه الكلمات التي كانت تدور في فمي . كل شيء كان على هذه الشاكلة .عند العشاء , قسمت امي الخبز فقطعت من حصتها جزءا وقدمته لي . لم استطع بل لم امتلك الشجاعة الكافية لألمس يدها . ليس هذا تبريرا , فالكلمات قد قيلت الا ان حجلي صهرته السنون . اغفري لي يا امي . هل طلبت المغفرة ؟ كلا ... لقد غفرت لي لكنني لا اغفر لها مسامحتها لي في تلك اللحظة .

 الام

 مشيت على طول الطريق الضيقة والهادئة وبين الحيطان العالية لمدينة باكو.البوبات تأخذ مساحة وتعمل فتحة في الحيطان فتنبسط ظلال الحدائق الصيفية للاكواخ القابعة خلفها .

كان الجو حارا , فذهبت باتجاه البحر . ماكفيرات - نادى علي البعض بهذا الاسم . وقفت برهة .كان هذا اسم والدتي .كان يوما غير اعتيادي لأني سمعت هذا الاسم الذي يعد قديما ولم اسمعه منذ فترة طويلة.كان الجو باردا وهو يفتش قرب حائط او بوابة لسنوات مضت.

كان الجو حارا .... كنت ارى البحر من على شجرة توت طويلة .كان البحر عميقا وازرقا وهادئا على غير عادته .عندما كنت اقطف التوت , يملأ يدي لون قرمزي وتنفجر قطرات صغيرة جدا فوق صدري المكشوف تشبه علامات اصلية . كان التوت حلوا لكن طعمه حامض. تجلس امي تحت الشجرة وانا اقطف التوت الكبير الحجم واقدمه لها بكوز مطلي بالمينا .

كان حارا ....اشتعلت النار بالموقد الطيني ....فخبزت امي فطيرا لنا .كنت اجلس في الشرفة , وفي يدي فطيرة حارة انقلها من يد ليد اخرى . لم اتمكن من تبريدها فحرقت فمي . ضحكت امي وجاءت مسرعة لترى فمي .

كان حارا . استطيع ان ارى الرمل المخطط في قاع البحر. فرشت امي سجادة كبيرة على مقربة من حافة المياه وغسلتها . ثمة موجات صغيرة ترتفع عاليا وتضرب فقاعات الصابون .كان كل شيء يبدو جميلا تحت الشمس حتى خطوط تلك السجادة تبدو اكثر بهاء وجمالا .

الماء تحت قدمي يبدو دافئا واكثر نعومة . نادتني امي - هذا يكفي , اخرجي .

امهليني قليلا - غطست تحت الماء مرة واخرى ووصلت الى القاع فجلبت حفنة من رمل وصعدت الى اعلى الماء .

كان لون الرمل بين اللون الرمادي والاسود , يشبه الطين , وكنت اتمنى ان ابقى تحت الماء فترة اطول . لم ار البحر منذ مدة طويلة. توقفنا عن الخروج صيفا بسبب الحرب . خطى المرض في تلك السنوات خطوات واسعة في جسد امي .كانت تضطجع بهدوء بي انها تتنفس بصعوبة بالغة . كنت اضع كتبي المدرسية والقي نظرة عليها , فارى جفونها الرقيقة ترتجف وصدرها الرفيع نادرا ما يرتفع . انك في الستين الان . لم استطع ان اتخيلها بهذا العمر - اتذكرك شابة جميلة - اجمل ما رأت عيني في العالم .

 

المشـاهدات 1132   تاريخ الإضافـة 04/07/2020   رقم المحتوى 7821
أضف تقييـم