الإثنين 2024/5/6 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
غيوم متفرقة
بغداد 26.95 مئويـة
قصتان قصيرتان
قصتان قصيرتان
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

رجاء الربيعي                     

امرأة .. بأكواب شاي

أضعف الدهر وجهها، وتردت عافيتها بسبب الفاقة التي تعيشها، تجتاز الشوارع في الصيف اللاهب والشتاء القارس، بعباءة شاحبة السواد بفعل الشمس اللاهبة، تمر بسرعة بين المارة وعينها على أقدام النساء، ربما تبحث عن موديل تخزنه في ذاكرتها وتلبسه عندما تنام ليلها البارد حتى في ليالي تموز الجافة، تبحث عن اكواب الشاي الفارغة وتعبئها بكيس بلاستيكي تعلقه في حزام تشده حول وسطها ولتسند ظهرها به.

لا تنظر للأطفال فقد تاهت عليها سنوات عمرها ، فمن اي جيل هي؟

هل فقدت وليدها مع أول بيضة نزلت  ام انهم تجار النساء مَن سرقوا بياض جسدها!

الكوب الان اهم منهم جميعا..

-  شاي... شاي ساخن !

مثل امنياتها كانت ساخنة تشبه تنور جدتها عند جرف الحياة...

- شاي شاي مهيل... !

تخاف على كرامتها الان.. فهي تجلد ذاتها كل ليلة وهي تخاطب الله بأنها أخطأت نحوه.. نعم انه الله الذي خلق لها الشاي لتبيعه وتسترد بثمنه بياض وجهيها الذي لوثه سخام السيارات والمارة بدخان الاراكيل والسكائر. "ارض العقارب"  كانت حديقة كبيرة تشبه الى حد كبير تاج ملك شاب مليئ بالفصوص الثمينة.. حديقة تزدحم بالشباب، تتجول بينهم...

- شاي شاي !

عيناها تتطلعان على أفواههم المشغولة باحاديث المحاضرات.. تساليهم ومرحهم  وأحاديث العشق الذي نسته مذ فقدت بياض وجهها في تلك الساعات المليئة بالخوف

... اكواب الشاي لم تنفذ لديها لحد الان والوقت يمر ، عليها العودة لتلك الخربة الفقيرة والمظلمة.

 ليلة سوداء مغبرة، تهرول للحاق بالفجر.. دخانها المتصاعد يشبه صوت المطربين الشباب هذه الأيام. كيف لها الخلاص وقد اكتوت بنار الجور والبحث في الازقة القديمة عن كل ما ترميه البيوت المرتفعة بدرجات اسمنتية ؟ انه الزمن الذي جعلها تتجول وتبحث عن كل ما هو قديم ومستهلك، أو لعلها  ربما تعثر على وجهها الذي ضاع منها بعد ان خسرته عند أول موعد له معها وآخر لقاء.

 

حبيسةُ الفرح

 

طموح جامح يغدق خيالها ،يجوب بها بساط قوس قزح الأماني إلى آفاق بفضاءات بعيدة. بدلة لؤلؤية مكشكشة، واكليل ورد، كل ذلك ينعكس في المرآة. جربت مسك حلم من خيالات تترى طافحة بالمرح والأبتهاج .

تمايلت برضى على انغام رنين الأساور الزجاجية الملونة فتماوج نور الشمس الفضولي مداعبا صفحة وجهها، فيما زحفت اناملها ملاعبة الظل. تبسمت لصاحب المحل الذي لفت انتباهه وقوفها الطويل امام الواجهة الزجاجية لمحله الباذخ الفخم.

حذّر منبهاً :" اتركي الزجاج" . تمالكتها امنية ان تنطفئ مصابيح المكان في الحال. تأملت الاساور الزجاجية وهي تصهل على معصميها.

- " دعني احلم ، ارجوك ".

علّقت دون أن تعر اهتماما لتنبيه صاحب المحل، وهي لمّا تتفحص ملامح وجهه الطويل المثلث. مرَّ الوقت سريعا، جاهدت في التشبث بحلمها رفقة الفستان الابيض. خلعت اكليل الورد الابيض المتوّج من على راسها، تركت امنيتها المهزومة تتزين بارتداء الملابس المعلقة في الفاترينا الزجاجية. هي ذي تعبر الى ضفة الشارع الاخرى ، تتقافز مرحا كما الارنب. تتخيل نفسها في غابة مليئة بأوراق الخريف المتساقطة. تسعى قدر استطاعتها بالقفز المتواصل علها ترتفع عاليا فتنوش غصن الشجرة الذي ودّت الجلوس على شجرته المنسابة كأريكة طويلة. على أنها فضّلت الطريق لبيتها العتيق ذي الاعمدة الخشبية لتضطجع على سريرها المستند على طابوق. جلست لتريح جسدها المرهق من التجوال والأحلام والتفتيش في الملابس المستعملة والأماكن والمناظر والوجوه المتحولة. تأملت كيف كانت تجلس تحت عمود الكهرباء بحثا عن ظل. تذكرت محل القبعات الذي كانت تقف قربه تلك الفتاة الصغيرة. تباطأت لحظة عند احدى المرايا وقد تملكها شعورٌ مفاجيء: انها من غير تلك الصورة اجمل. بلا شك بعيدة عن ذلك الزقاق الفخم مؤكّد هي احلى ، من دون ذلك تلك الواجهة الزجاجية هي الأبهى.

وقفت على اطراف حلمها تتلمس ارتداء ثوب المدرسة. لم يبق للجرس سوى دقائق معدودات ليعلن بدء الدرس.

المشـاهدات 214   تاريخ الإضافـة 16/05/2023   رقم المحتوى 21243
أضف تقييـم