النـص : في إحدى حلقات المسلسل الهادف مرايا للفنان السوري ياسر العظمة وهو يتكلم مع زوجته واصفاً حاله بعد جلوسه على كرسي المدير العام بأن نفسيته قد تغيرت بعد جلوسه على كرسي المدير العام، وأنه شعر بالغطرسة وهذا الكلام لا يقوله لأحد إلا لها لأنها زوجته! هذه الحالة للأسف تصيب الكثير من المسؤولين على اختلاف مناصبهم في مجتمعاتنا، فالمسؤول عندنا يرى أن المنصب هو تشريف لشخصه وليس تكليفاً ومسؤوليةً وأعباءً تنوء بحملها الجبال، فالكثير من الموظفين عندنا ما ان يصل إلى منصب حتى تتبدل أحواله، وتتغير سلوكياته، وينسى ماضيه وحاله، ويتنكر لأصدقائه ومعارفه، فيتعاظم في نفسه، ويتشدق في كلامه، ويُصاب بالغرور، ويتعالى على الناس، ويتكبر عليهم، وكثيرة هي قصص هؤلاء المسؤولين الذين يصابون بالغرور والتكبر من جراء المنصب، فكم من مسؤول غيَّر رقم هاتفه بعد توليه المسؤولية، أو أصبح لا يرد على من يتصل عليه إلا من له أهمية في نظره، وكذا لا يسمح بدخول أحد عليه إن كان من عامة الناس أو يجعله ينتظر وقتاً طويلاً بحجة أنه مشغول أو عنده اجتماع وما إلى ذلك، بينما لو زاره مسؤول أو صاحب منصب أو جاه أو نفوذ يدخل عليه بلا انتظار، هذا واقع الكثير من المسؤولين عندنا بلا مبالغة، فالمسؤول عندنا يتصرف وكأن المنصب ورثه عن أبيه أو جده، ونسي أن هذا المنصب لا يدوم لأحد وأنه سوف يؤول إلى غيره عاجلاً أم آجلاً، لأنه لو دام لغيره ما وصل إليه فمهما طال بقاءه في منصبه لا بد له من يوم أن يغادره هذه سنة الحياة؛ لأن دوام الحال من المحال، فالغرور والتكبر ينتاب الكثير من الذين يتولون المناصب، مع أن تولي المناصب لا يعني إلا مزيداً من المسؤولية الأخلاقية التي يتحملها هذا المسؤول أو ذاك تجاه من ولّي عليهم، وقَبِل أن يتحمل القيام بشؤونهم، ورعاية مصالحهم هذا هو المفترض، وهذا هو المعنى الحقيقي لتولي المناصب والمسؤوليات، وهذا الذي فهمه من وفقه الله وألهمه الرشد والصواب، وهذا المعنى للسلطة والمنصب جسده نبي الرحمة محمد عليه الصلاة والسلام بتواضعه مع الناس فعندما جاءه رجل ترعد فرائصه أي تفزع وترتجف - وهذا كناية عن شدة خوف الرجل وفزعه- خفف النبي عليه الصلاة والسلام من فزع هذا الرجل وخوفه وقال له: هون عليك فإني لست بملك إنما أنا ابن امرأة من قريش تأكل القديد، هذه التواضع والرفق بالناس من قبل النبي عليه الصلاة والسلام للأسف لم يقتدي به الكثير من أصحاب المناصب في دولنا العربية والإسلامية، فكان الغرور والتكبر والتعالي سمة بارزة في الكثير ممن يتولون المناصب والمسؤوليات، وعلى النقيض من ذلك نجد الغربيين ينظرون إلى المسؤول أو صاحب المنصب أنه موظف شأنه شأن أي موظف في الدولة فسواء كان رئيس دولة أو رئيس وزراء أو وزير أو مدير عام أو موظف صغير فالكل موظفون يعملون لخدمة بلادهم وأوطانهم، ويخدمون شعوبهم، وهذا المعنى عرفه وفهمه أصحاب المناصب عندهم فجسدوه بأعمالهم وتصرفاتهم، فلا غرور ولا تكبر ولا تعالي، بل تواضع وبساطة ونكران للذات، وهذا يعكس مدى الثقة والاعتداد بالنفس، فالإنسان إن لم يكن كبيراً بنفسه فالمنصب لا يكبره، وكم رأينا وسمعنا من خلال شاشات التلفاز أو وسائل التواصل الاجتماعي برئيس أو وزير أو مسؤول يأكل في مطعم شعبي، ويمشي بين الناس، ويجلس معهم كواحد منهم، ويقف في الطابور حاله حال أي مواطن عادي، فميركل مستشارة المانيا كانت تسكن شقة في عمارة في بناية عادية في برلين حالها حال أي مواطن الماني بسيط، وتخرج للتسوق وشراء حاجاتها بنفسها من سوبر ماركت قريب من منزلها، ومارك روتي رئيس وزراء هولندا يقيم في شقة صغيرة، ويتنقل بالدراجة الهوائية، أو سيارة قديمة يملكها، فتحية وتقدير لكل صاحب منصب لم تغريه المسؤولية فبقى على تواضعه ووفائه لأصدقائه ومعارفه، يعاشر عامة الناس بالخلق الحسن، والتواضع الجم، فلم تؤثر فيه المناصب مهما علت، ولم يغتر أو يتكبر على أحد من الناس، ولم يرى نفسه أعلى من بقية البشر، فلهذا كل التحية والتقدير، ولسواه ممن غيًّر المنصب طبعه وأحواله وتصرفاته نقول له: تواضع فإن المناصب لا تدوم، ومهما بقيت في منصب فلا بد أن يأتي يوم تفارقه فيه، بل سيأتي يوم سترحل فيه من الدنيا كلها، فالموت هو المصير المحتوم لكل إنسان، وهو كأس كل إنسان شاربه، فلا تغتر ولا تتكبر ولا تتعالى ولا تتسلط، فالكل مصيره الزوال!
|