يوسف عبود جويعد

ا

المجموعة القصصية ( ضحكات شوبنهاور السعيد) للقاص رأفت عادل، الحائزة على المركز الثالث في مسابقة الأدباء الشباب الدورة الخامسة 2024 دورة الشاعر بدر شاكر السياب، ومن خلال بنية العنونة، التي لم تكن عتبة نصية فحسب، بل أنها قصة تضاف الى القصص القصيرة التي ضمتها المجموعة، كونها لم تكن من عناوين القصص والتي اعتدنا عليها في كل مجموعة قصصية يختار القاص عنوان لقصة ضمن المجموعة لتكون العنوان الرئيسي لها، ومن المعروف أن الفيلسوف الالماني " شوبنهاور" يطلقون عليه الفيلسوف المتشائم، وأنه عاش حياة كئيبة وحزينة، حيث توفى والده مبكراً وهو في عمر صغير، وأعلن القطيعة مع أمه لأنها حولت  البيت الى صالون أدبي وفكري، وكان يأتي الى البيت وكأنه ضيف غريب، وعاش وحيداً، وفشل في ترويج كتابه الشهير (الحياة ارادة وتمثلاً) حتى السنوات الأخيرة من عمره، حيث اشتهر بفكره وفلسفته المتشائم، وكذا نكتشف أن "شوبنهاور" لم يضحك ولم يكن سعيداً، ليكون هذا العنوان رمزاً واشارة دلالية واضحة لما تحتويه هذه المجموعة القصصية من نصوص تنحى منحاً باتجاه هذا المعنى،  الذي يستحيل أن يكون سعيداً أو ضاحكاً.

في القصة القصيرة الأولى " مجرد سيجارة" وهي من النصوص السردية المتخيلة، كون بطل هذه القصة، يتخيل ماذا يحدث عندما يدخن سيجارته في حديقة المنزل، ويتداعى مع الخيال لأقصى طاقة، حيث يتخيل أن الحديقة تحترق بسبب رميه لعقب السيجارة فيها، وتمتد نيران هذا الحريق الى المنازل المجاورة، وتحترق سيارة المختار ، ودراجة ساعي البريد وبعض المنازل، ويعتقل وتوجه اليه مجموعة من التهم:

"ستؤول الأمور بعد عدّة أشهر: سجيناً في السجن المركزي لتنفيذ عقوبة التهمة المثبتة: جناية تمسّ الأمن الوطني والقومي، وجناية أخرى تمسّ السلامة العامة، وجناية ثالثة تتعلّق بأمن البلاد، وجناية أخيرة تنبثق من التطبيع مع الكيان الصهيوني، والعديد من الجنح أيضاً." (ص 8)

وهكذا يطلق القاص العنان للخيال بأقصى طاقته، لنجد تفاصيل أخرى في مسار مبنى هذا النص القصصي، الا أننا سنكتشف أن هذا الخيال ظل قائماً حتى نهاية الاحداث، وليس عودة الى ارض الواقع للعدول عن تدخين السيجارة، بل أن نهايتها أنه أصبح مدخناً محترفاً لا يشق له سيكار. كما يصف القاص ذلك.

أما قصة " حرب مع فئران" فأنها تقدم لنا صراع مستمر بين الفأر وبطل هذا النص الذي يحاول بشتى الوسائل القضاء على الفأر، الا أن الفأر صار مصدر ازعاج لبطل القصة، الامر الذي جعله يلجأ الى الطبيب، من اجل أن يجد حلاً، الا أن نهاية هذه القصة تبعث الى الانفراج لأن البطل يستيقظ فيجد الفئران ميئة على الارض،بسبب الحبوب المسمومة التي نثرها.

وفي القصة القصيرة "عذراء" التي تحمل نسقاً غرائبياً، بسبب الأفكار المتخلفة والتصرع في إصدار الاحكام، إذ يقتل الاخ أخته غسلاً للعار بعد أن يرى بطنها منتفخاً، لكن الطب الشرعي، يؤكد أن الاخت عذراء، وان هذا الانتفاخ ناتج عن مرض في  البطن.

أما القصة القصيرة " صديقي الكلب" حكاية شاب شرقي ، يسكن في احدى المدن الغربية، ولم نجد الى ما يشير الى المدينة التي  تدور فيها الاحداث، وكذلك الشاب  الشرقي من اي بلد، لكن هذه الاحداث ممتعة وشيقة، بسبب التفاصيل التي تحتويها، فالجار الذي يعيش مع كلبه وهومن السكان الاصليين للمدينة، يتعرف على هذا الشاب ويحكي له حكايته، عن وفاة ولده وكذلك زوجته، واخيراً يتوفى العجوز ويدفن في احدى المقابر ويخرج الكلب وسط المطر نحو المقبرة حزناً على صاحبه، وهي من النصوص التي تقدم لنا وفاء الكلب الذي لا يدانيه وفاء.

وفي القصة القصيرة "قيد بريء" ينقلنا القاص الى معركة الطف وذكرى استشهاد الامام الحسين (ع)، إذ يتخيل شاب أنه داخل تلك المعركة ويراقب حشود جنود عمر بن سعد، وقطع الماء عن مخيمات الامام الحسين (ع)، وتفاصيل محسوسة وفيها شيء من العبرة والاسى، وهو يرى الامام الحسين(ع) ومن معه يواجهون هذا الجيش الكبير، وهو في ذلك يدخل واقعة الطف ضمن مبنى السرد ويقدم هذه القصة من صميم المعركة.

وفي القصة القصيرة  " ديناصور أخضر" نكون مع حكاية من حكايات سوق مريدي،  واحتيال بعض الصبية على الناس، وهم يصرخون ماء سبيل، الا أنهم عندما يشربون يطالبهم ثمن الماء.

وفي القصة القصيرة "بناية قديمة" التي تدور أحداثها في عالم غرائبي، وشيء من الوهم، إذ يرون وهم يؤجرون احدى الشقق في بناية قديمة، قط اسود بعين واحدة، وعندما يصعدون الى الطابق الآخر يجدون نفس  القط الاسود امامهم، فيهوعون خائفين ويغيرون مكان سكنهم. الا أنهم يكتشفون أن في هذه البناية  اثنان من القطط السود بعين واحدة.

وهكذا وبعد أن مررنا بنماذج من المجموعة القصصية "ضحكات شوبنهاور السعيد" ، تقدم لنا واحد من كتاب السرد وهو يدخل عالم السرد بخطاً واثقة، حيث تنوعت هذه المجموعة القصصية بنسيج من انماط السرد، وتنوع في الثيمات والشخصيات، ولغة سردية متقنة.

من اصدارات الاتحاد العام للادباء والكتاب في العراق لعام 2024 .