النـص : في ظل هذه المرحلة الصعبة والتاريخية التي تعيشها سوريا ،يختار كثيرون منا أن يتمسكوا باستقلالهم الفكري وألا يرضخوا لزعامة مصطنعة أو وعود جوفاء. التجارب الماضية علمتنا أن التبعية العمياء، مهما كان مصدرها، لا تثمر سوى خيبات أمل جديدة. لذا، لا أحد يمثلني. لا أريد قائداً يدعي تمثيل أحلامي ثم يخونها. سوريا لا تحتاج زعيماً بقدر ما تحتاج منظومة قيم تجمع شتاتها.الواقع الذي تعيشه سوريا اليوم يكشف أقنعة كثيرين ممن غيروا مواقفهم وتلونوا بما يناسب مصالحهم. في هذه الأوقات، أن تكون صادقاً يعني أن تكون شجاعاً. لم أكن ولن أكون متملقاً متلوناً، لأن من يتلون لخدمة مصالح آنية لا يمكن أن يكون جزءاً من بناء وطن يتوق للثبات والعدالة.سقوط نظام الأسد لا يعني أن الباطل انتهى، بل رأينا كيف تفرعت منه أشكال جديدة من الظلم والانتهازية. لا يمكن للدمار أن يكون اساساً للبناء، ولا يمكن للباطل، مهما كان مصدره، أن يقودنا إلى الحق. البعض يحاول أن يبرر أفعاله باسم الثورة أو الانتقام، لكن الحقيقة الواضحة هي أن الباطل يبقى باطلا ، سواء جاء باسم الظلم القديم أو الانتقام الجديد.في خضم الانقسامات الطائفية التي زادت تعقيداً بعد سقوط النظام، نسمع دعوات متفرقة للتسامح، لكن كثيراً منها مشروط وموجه لطائفة دون أخرى. هذه المنّة المبطنة مرفوضة، فكل طوائف سوريا تحمل في طياتها من أحسن ومن أساء. لا فضل لأحد في التسامح إذا لم يكن شاملًا ومتبادلًا. سوريا لا تحتاج إلى مسامحة انتقائية، بل إلى تصالح حقيقي يعيد اللحمة الوطنية.في زمن الفوضى، يصبح الإيمان بقيم الخير والحب ضرورة لا خياراً . هذه القيم هي ما يحمي أرواحنا من الغرق في بحر الكراهية. رغم الألم والدمار، لا بد أن نتذكر أن الأمل لا يموت، وأن الخير، مهما بدا ضعيفاً، قادر على أن يكون بذرة لحياة جديدة. لن نرمي حجراً في بئر شربنا منها، مهما كان الماضي قاسياً، لأن هذا الحجر سيصيبنا أولًا قبل أن يصيب أحدًا آخر.لا خلاص لسوريا دون قانون صارم وعادل. القانون الذي يحكم بين الناس بالعدل والمساواة، ويضع الحقوق والواجبات في نصابها، هو ما يبني الحضارات. لقد عانى السوريون طويلاً من غياب العدالة، سواء في ظل النظام أو وسط الفوضى الحالية. سوريا بحاجة إلى دستور جديد، يحترم الجميع ويضع حدًا لكل مظاهر الفوضى والانتقام .ما يحدث اليوم من تعرض للكرامات والإساءات للمعتقدات هو انزلاق خطير نحو الهاوية. لا يمكن بناء مجتمع على أساس الإهانة والإقصاء. الاحترام المتبادل، حتى في أوج الخلاف، هو ما يحمي سوريا من مزيد من الانقسام. سوريا بحاجة إلى وعي جديد يحترم التنوع ويصونه، لا يهدده.رأينا الكثير من الشعارات الرنانة منذ بداية الثورة وحتى سقوط النظام، لكن الأفعال هي ما يكشف الحقيقة. لقد سئم الشعب السوري من وعود خالية وأقوال لا تجد طريقها للواقع. الآن هو وقت العمل الحقيقي، وقت البناء بعيداً عن المصالح الضيقة والأنانية.المجتمعات التي تُحكم بالخوف تعيش في فقاعة مؤقتة من الاستقرار، لكن تحت السطح هناك قنابل موقوتة قد تنفجر في أي لحظة. سوريا، بعد كل ما مرت به، بحاجة إلى حكم مبني على الحب والامل، على احترام كرامة الإنسان وحقوقه. الحكم بالخوف لا يصنع وطناً، بل يزرع قنابل من الكراهية والانتقام.وسط هذا الظلام، لا بد من التمسك بالأمل. سوريا تستحق أن تكون وطناً للعدالة والحب، وطناً يحترم الجميع ويمنحهم فرصة للعيش بكرامة. الطريق طويل وصعب، لكن البداية تبدأ من كل فرد يختار أن يكون جزءاً من الحل لا المشكلة، من يبني لا يهدم، ومن يؤمن أن سوريا الجديدة لا تُبنى إلا على أساس الحبّ والعدالة.
|