
![]() |
فراشات تشكوا من ظلمها في ... وادي الفراشات دراسة نقدية |
![]() ![]() ![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
النـص : يوسف عبود جويعد رواية "وادي الفراشات" للروائي أزهر جرجيس، تنحى منحاً ساخراً في لغتها السردية، والذي تميز فيه المؤلف، كون هذا النمط من الكتابات السردية، تمنح القارئ شحنة كبيرة وطاقة من الوعي تهيمن عليه ونجعله منجذباً الى حركة الاحداث بكل شغف ومتعة، كونه يؤازر ويتعاطف مع بطل الرواية (عزيز) الذي تتدفق وتتلاحق الأحداث المأساوية وسوء الطالع وضنك العيش وقلة الحيلة، وصعوبة مواجهة الحياة القاسية بسبب الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية السيئة في البلد، إذ يقود بطل الرواية مهمة إدارة دفة الأحداث بذات اللغة الساخرة التي تثير الشجن وتدعو المتلقي، ليعيد مسار حياته الذي يشبه الى حدٍ بعيد واقع الاحداث التي ألمت بـ (عزيز)، والتي سنتابع في مستهلها سقوط الأب على رأسه فوق سكة الحديد التي يعمل فيها، وغيابه عن الوعي، ثم فقدانه للذاكرة وأصابته بالخرس وتسلبه القدرة على الكلام، ثم شيئاُ فشيئا أوهن الحزن قلبه وأرداه طريح الفراش (ص 14)، ثم يفارق الحياة. وهكذا تتم حركة السرد، فقد خسر عزيز حرب البكالوريا وضاع بذلك المستقبل .. ثلاث وستون درجة من المائة في الفرع العلمي، معدل لا يكفي حتى لدخول الحمّام! (ص 22 ) وقد لجأ (عزيز) الى خاله (جبران) ليملأ الفراغ الكبير الذي خلفه فقدان والده، وقد أجاد الروائي رسم ملامح شخصية الخال (جبران) الذي يحسه المتلقي كتلة من الحنان ومؤازراً لا يتوانى في مد يد العون لابن اخته (عزيز) حيث يحتويه ويجعله ملازماً له في عمله كونه يملك مكتبة يبيع فيها الكتب، وقد استفاد (عزيز) من هذه المكتبة في زيادة وعيه وثقافته، التي نحسها من خلال إدارته للمسيرة السردية التي هي مزيج من الوعي والفلسفة والسخرية، حيث تتحد تلك العناصر لتكون هي اللغة السردية للرواية التي تضفي طابعاً ساحراً ومبهراً الى واقع الاحداث، كون أن عزيز يلتحق بمعهد الفنون الجميلة هو وزميله (مهند) لإكمال الدراسة فيها، ويتعين بوظيفة بائسة لا تسد رمق العيش. أما علاقة (عزيز) العاطفية، فقد كانت محوراً آخر ابتدأ مع بداية الرواية ليستمر مع دورة الأحداث، حيث نشهد علاقته بزميلته بالدراسة (تمارا) وتبادل رسائل الحب بينهما، واللقاءات التي تتوج بزواجه منها، رغم تلك الظروف القاسية والصعبة التي يعيشها. وهي انتقالة ثانية تشهدها الاحداث، حيث نكون مع حياة (عزيز) الزوجية التي يشوبها القلق، وعالم من الغرابة وسخونة الاحداث، فبعد أن يسكن في غرفة ضيقة مع أخيه صبيح، الذي يجد استحالة الحياة فيها، ينتقل وبحكم ظروفه المادية الى بيت قديم متداعٍ آيل للسقوط، ويشكل العيش فيه خطورة على حياتهما: "عثرت آخر المطاف على منزل في الصالحية، تعود ملكيته الى تاجر قماش له من البخل ما يحث على شتمه، منزل مهجور، جزء كبير من سياجه الخارجي متداع، وستارة السطح متهدمة، كما أن البلاط مهشّم، والنوافذ مغطاة بالنايلون والجرائد. لم يكن منزلاً صالحاً للسكنى في الواقع، لكن ضيق الحال يقتل ترف الاختيار. لقد كان كما وصفته عمّتي حين جاءت لزيارتنا "خرابة". لأنه كذلك، ذبل الهوى وتكدّرت حياتنا." (ص 54 ) وتتوالى الاحداث ويهطل مطر غزير في شتاء بارد ويتحول البيت الى مستنقع مائي تطوف به الاثاث والاواني، وينزل المطر مدراراً من السقف ومن الثقوب، ويحدث تماس كهربائي مخيف، فيضطرا الى الهروب من هذا البيت والبحث عن مأوى آخر، تفقد تمارا خلالها جنينها الاول، ثم تفقد الثاني اثر سقوطها في بيت آخر، الامر الذي جعلها تعود الى بيت أهلها، وهناك تنجب (سامر) ابنهما المعاق. ونلاحظ من خلال متابعة الاحداث حتى هذه اللحظة، أن لا وجود لبنية العنونة، حتى يتساءل القارئ ما علاقة "وادي الفراشات" بتلك الاحداث، الا أننا سوف نكتشف لاحقاً مدى ارتباطها الوثيق بأحداث الرواية، كون أن (عزيز) يخسر وظيفته بسبب سوء تفاهم مع احدى الفتيات التي تراجع الدائرة التي يعمل فيها، وهي عشيقة أحد حماية (الاستاذ) والكل يعرف من هو الاستاذ؟ يضطر (عزيز) العمل بسيارة خاله (جبران) الذي وهبها له من أجل مواصلة العيش . وهكذا تكون لنا انتقالة ثانية نكتشف من خلال عمل (عزيز) سائق اجرة، ويسرد لنا ما يحدث في عمله هذا، إذ يركب السيارة رجل كبير، ويطلب منه ان يقله الى مكان بعيد، وخارج حدود العاصمة، وقريب من الخالص، حيث يضطر (عزيز) أن يسير بسيارته في أرض وعرة وبساتين كثيفة، ليصلوا الى مرتفع ترابي، ثم الى مقبرة يدفن فيها الاطفال الرضع، والاطفال مجهولي الهوية الذين يرمون على ابواب الجوامع، وقرب حاويات النفايات، وعلى مفترقات الطرق. تطلب تمارا (الطلاق) من (عزيز) بعد أن يختفي ابنهما (سامر) الى مكان مجهول، بينما ينصرف (عزيز) في عمله، الى زيارة مقبرة (وادي الفراشات)، كما لا تخلو هذه الرواية من مبنىً ميتا سردي، حيث يعثر ومن خلال الشيخ الذي أقله ووجده ميتاً في مقبرة (وادي الفراشات) فيدفنه، وهو دفتر مدون فيه اسماء الاطفال الذين دفنوا في هذه المقبرة، بل أنه يخال له أنهم حقاً فراشات في هذا الوادي، ويناجيهم ويتعاطف معهم. رواية "وادي الفراشات" للروائي أزهر جرجيس، رواية تدور أحداثها لحياة فرد من أبناء هذا البلد ينوء تحت ضنك العيش وسوء الطالع بسبب ما خلفته الحياة السياسية والاقتصادية من اضرار، وقد كتبت بأسلوب الادب الساخر الذي يضفي على الاحداث مسحة من السحر والابهار. من اصدارات مسكيلياني للنشر والتوزيع – تونس لعام 2024 |
المشـاهدات 27 تاريخ الإضافـة 19/03/2025 رقم المحتوى 60695 |

![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |