محاصصة بلا نهاية.. الانتخابات بين وعود التغيير وواقع السلطة
![]() |
| محاصصة بلا نهاية.. الانتخابات بين وعود التغيير وواقع السلطة |
|
كتاب الدستور |
أضيف بواسـطة addustor |
الكاتب نوري حمدان |
| النـص :
بعد أن أعلنت مفوضية الانتخابات النتائج الأولية لاقتراع البرلمان في 11 تشرين الثاني2025 ، برز الحديث مجدّداً في الأوساط السياسية والإعلامية حول تشكيل "الكتلة النيابية الأكبر". هذه المسألة لم تكن محض تفاصيل سياسية فحسب، بل تبدو كمرآة لعاصفة أعمق. عاصفة محاصصة السلطة التي تراكمت منذ سقوط النظام السابق، وعطّلت بناء دولة المواطنة والتنمية. في قراءة أولى، قد تبدو الانتخابات محطة طبيعية داخل دورة ديمقراطية منتظمة، لكنها في الواقع تؤشّر إلى استمرار النظام نفسه في شكلٍ جديد.الانتخابات جرت لاختيار 329 مقعداً في مجلس النواب العراقي، تنافس عليها ما يزيد عن 7744 مرشحاً، موزّعين على القوائم الحزبية والتحالفات. ومن بين الناخبين، قُدّرت نسبة المشاركة بنحو56% من المسجّلين، ما يعكس ارتفاعاً نسبيّاً عن توقعات بعض المراقبين لكنه يبقى مؤشّراً على التردّد السياسي لدى الجمهور.أما القوائم، فبرز تحالف يدعمه رئيس الوزراء محمد شياع السوداني باسم "التحالف من أجل الإعمار والتطوير"، كالفائز الأوّل، إذ أُبلغ أنه حصد حوالي 50 مقعداً، وهو أعلى حصيلة فردية حسب المصادر القريبة. لكنه، وفي ذات الوقت، لم يحصل على أغلبية تؤهّله لتشكيل حكومة منفردة، ما يعيد إنتاج منطق التوازن السياسي التقليدي.
ما الذي يُستَخلص من هذه الأرقام؟
أولاً، أن القوى التقليدية التي تقودها الكتل الكبيرة لم تُغادر المسرح، بل ظلت في موقع الصدارة. التحالف الذي يقوده السوداني نجح في السيطرة على ثمانية من أصل 18 محافظة، منها بغداد، النجف، القادسية، كربلاء، ذي قار، ميسان، بابل، ومثنى. وليست تلك النتائج بمنزلة "فوز الشعب" بقدر ما هي تأكيدٌ لعمليّة توزيع النفوذ بين قوى السلطة عَلَنيّة أو ضمنية.ثانياً، ما تزال عملية بناء الحكومة الجديدة – وتشكيل الكتلة الأكبر – قائمة على مفاوضات تحالفات ما بعد الانتخابات. وهذا يعني أن الانتخابات لم تغيّر المعادلات الأساسية، بل هي بداية لجولة جديدة من تسوية النفوذ. لا شيء يُظهِر حتى الآن أن هناك تحوّلاً جوهرياً في نمط الحكم أو في آليات توزيع السلطة. بحسب تحليل من معهد دوحــة للدراسات: "القوى السياسية السائدة تُعتبر الانتخابات أقل كآلية للتغيير وأكثر كوسيلة لإعادة توزيع نفسها".ثالثاً، في سياق كهذا، يبدو الحديث عن بناء دولة المواطنة والتنمية بمثابة خطاب يُطلَق، لكن أرض الواقع ما تزال تُظهر عوائق جسيمة: المحاصصة، التوظيف الحزبي، تعطيل مؤسسات الدولة، واستنزاف الموارد في دوائر النفوذ وليس في خدمة المواطن. الحكومات والكتل التي تعاقبت منذ 2003 عمدت بشكل أو بآخر إلى تبنّي هذا النموذج، الذي ولّد انسحاباً تدريجياً من الثقة الشعبية. إذ إن الكثير من العراقيين يرى أن "ما تغيّر شيء" رغم تبدّل الوجوه، وهذا ما أشار إليه تقرير من رويترز قبل الانتخابات: "العراقيون يخوضون الانتخابات التي يتوقعون أنها لن تجلب إصلاحاً كبيراً".تحليل التحالفات الكبرى يكشف مزيداً من التفاصيل المهمة: تحالف "الإطار التنسيق"، الذي جمع أبرز الأحزاب الشيعية التقليدية، رغم بعض الانقسامات، ما يزال يحتفظ بنفوذ كبير عبر شبكاته الحزبية المرتبطة به. في المقابل، التحالف الذي يقوده السوداني حاول أن يُظهر نفسه كخيار لـ"الإصلاح" وتحسين الخدمات والبنى التحتية، لكن في جوهره فهو جزء من المنظومة نفسها؛ إذ يعتمد على الأجهزة الحزبية والشخصيات ذات النفوذ داخل الدولة. تقرير من "آل مونيتور" أشار إلى أن تحالف السوداني "فاز بأكبر كتلة، تقريباً 50 مقعداً، لكنه سيبقى رهين مفاوضات لتشكيل الحكومة".ومن داخل هذا المشهد، يبرز عامل آخر: مقاطعة حركة الصدر التي قادها زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر. هذه المقاطعة أدّت إلى ضعف التنافس السياسي ورفع من قيمة القوى المرتبطة بالنظام القائم منذ عهد ما بعد 2003. ضعف المشاركة في بعض المناطق، خصوصاً معقل الصدر، عكست ازدياد شعور المواطنين بأن الانتخابات "استمرار لنفس اللعبة".كذلك، القانون الانتخابي، قانون رقم 9 لسنة 2020، عاد بالنظام إلى تقسيم المحافظات كدوائر انتخابية، واستُعمِل معيارُ القائمة والنسبية لتوزيع المقاعد، ما يخدم القوائم الكبيرة أكثر من المستقلين أو القوى الجديدة.أما في ما يخص التنمية، فحتى وإن تحفّظ البعض على مصطلح "تعطيل"، الواقع أن المشاريع الكبرى والوعود تتأخر أو تُنفذ بتمريرات حزبية. الوظائف والتوظيفات الحكومية أصبحت أداة للمتاجرة السياسية، والبنى التحتية ما زالت تواجه فجوات في التمويل أو الشفافية أو التنفيذ. والمحصلة أن المواطن لا يشعر بأن تغيّراً ملموساً حصل، بل ربما أن الفسحة التي حصلت لأحزاب السلطة كانت لتثبيت مواقعها قبل الدخول في المفاوضات مجدداً. وفي هذا السياق، فإن الحديث عن دولة المواطنة (حيث المواطن يتمتّع بحقوقه بغضّ النظر عن الانتماء) ما يزال شعاراً أكثر منه واقعاً.إنّ المشهد النهائي ينبئ بآتي:أولاً، أن تشكيل الحكومة والتحالف البرلماني سيكون نتاج مفاوضات سياسية داخل المنظومة، وليس إحرازاً لتغيير جذري.ثانياً، أن استمرار منطق المحاصصة، سواء عبر توزيع المقاعد أو المناصب أو الوظائف، يجعل فرص بناء مؤسسات مستقلة ودولة فعلية أقل احتمالاً ما لم يقُم ضغط شعبي حقيقي أو إصلاح شامل للنظام الانتخابي والسياسي.ثالثاً، أن الإعلام الدولي، سواء عبر تحليل مثل ما ورد في عدد من الصحف والوكالات، يراقب بقلق هذا الوضع، إذ إن من شأن استمرار الحالة أن يؤدّي ليس فقط إلى أزمة داخلية، بل إلى ضعف الدولة العراقية أمام التحديات الإقليمية والدولية.وفي نهاية المطاف، تبدو الانتخابات، رغم أهميتها الشكلية، على قدر كبير من الرمزية، لكنها أقل قدرة على إحداث انقلاب حقيقي في الواقع. النظام السياسي ما زال يُعاد إنتاجه، والمواطن العراقي ما زال يراقب الوعود التي لم تنهِ معادلات السلطة، والتنمية التي لم تكن، حتى الآن، وليدة إرادة ناشئة بل وليدة مفاوضات داخل الطبقة الحاكمة. وإن أردنا أن نقرأ ما بين السطور، فإن النتائج والإحصائيات والتحليلات تؤكد أن العراق بدلاً من أن يغادر محاصصة السلطة، ربما أعادها إلى النسخة الجديدة، محاصصة مصقولة، لكن ذات جوهر ثابت. |
| المشـاهدات 31 تاريخ الإضافـة 15/11/2025 رقم المحتوى 68300 |
أخبار مشـابهة![]() |
المشاهير وعقدة الفوز بالانتخابات
|
![]() |
المفوضية: الأصوات غير المرسلة من المحطات محدودة ولا تؤثر في نسب النتائج
المفوضية تعلن عدد شكاوى الانتخابات وتصنيفها |
![]() |
تشكيل الحكومة المقبلة وفق آلية المحاصصة وتكرار المشهد البائس
|
![]() |
أسباب الجدل حول تسبه المشاركين في الانتخابات !! |
![]() |
جرعة وعي.. الصوت.. بين وعيٍ غائب وأميةٍ ديمقراطية..!
|
توقيـت بغداد









